تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(هاملت)..عرض يتألق بالمشهدية المعاصرة وسحر الصورة..

ثقافـــــــة
السبت 2-6-2012
آنا عزيز الخضر

تميز عرض (هاملت)الذي أعده الدكتور (رياض عصمت)وأخرجه (عروة العربي ) على صالة مسرح الحمراء بدمشق بملامح فنية فاجأت الجمهور، رغم انه العرض المسرحي المعروف بتفاصيله

و مجرياته، فمشاهدوه يعرفون شخصياته و أحداثه و نتائج حكايته، و رغم ذلك فقد صنع العرض الدهشة لأكثر من سبب ، كونه انطلق في محاور فنية خاصة،أظهرت الإبداع الحقيقي لعناصره المسرحية و لمفرداته كافة، ناسجا لعالم يزخر بالإبهار الفني ،و الموظف في المكان الصحيح ، فاختص بالعرض المسرحي ذاته، رغم استناده على ذاك النص الشهير (هاملت) متحديا كل تلك المعلومات،و خسارة العرض لعوامل الفضول والتشويق التي يملكها المتلقي سلفا تجاه أي عرض ، إذ يأتي حاملا إياها قبل دخوله ،أما العرض هنا فانه يعتزم رؤيته ،وهو يدرك أن هاملت يحضر تتويج عمه كملك للدنمارك ،و بديل عن أبيه ،الذي توفي ،و شبح الأب يعلمه بأنه قتل ،من هنا تبدأ رحلة الصراعات ،في دواخله من جهة ، ومابين الواقع والحلم من جهة أخرى،ومع عمه وأمه الملكة ،فصراعات كثيرة،وشخصيات خيرة وأخرى شريرة ،،وفرسان أوفياء.. وهكذا الكثير من التفاصيل ، حتى يحسم أمره وصراعاته،فهذا النص يحتفظ ببريقه أبدا، مهما تكرر عرضه وإعادته ، وخصوصا عندما تتوفر للعرض مفردات فنية تخرجه إلى النور، عبر أشكال وأساليب فنية،تبدع في ترجمة مقولاته الإنسانية وعوالمه ،تاركة البصمة الفنية الخاصة،مبرزة في الوقت نفسه، إمكانات النص المذهلة في منح المبدعين آفاق للخيالات والإبداع والحلول ، وقد تحقق للعرض المسرحي هنا المأخوذ عن (هاملت) فرادته وتألقه، من خلال الإبداع لمشاهد بصرية خلاقة ،ثم الرسم لصورة فنية لماحة، تمكنت من التقديم لمعادل درامي دقيق، لذاك النص جنب إلى جنب امتلاكه لجماليات بصرية و فنية متميزة، صنعها أسلوب ، ربط بشكل ذكي و أخاذ ما بين مفردات و عناصر مسرحية ، حولت النص رغم انه مألوف، إلى حلة جديدة، تزاحم فيها كل ما يدهش العين من خلال صياغات ابتكارية في كل الاتجاهات ، وذلك عبر رؤية مسرحية خاصة برزت بوضوح ،و تمكنت من الاحتفاء بالصورة المرئية، ثم الإبداع في تفاصيلها المسرحية و أدواتها، مضافا إلى تضمينها إمكانيات ، لتصدير معان و أفكار تحملها بحد ذاتها بمعزل عن الحكاية، فقد شكلت عالما يوازي و يقارب النص الأصلي ، وهي متمسكة بعالمها الجمالي المستقل، لتقدم بمجرد حضورها ،إشارات ودلالات توحي بالمقولات الكثيرة، فالمخرج أدهش المتفرجين بالحلول الفنية والإخراجية المستخدمة، حيث تحول الفضاء المسرحي للعرض إلى مساحات ،تنافست فيها جماليات كثيرة ، أما الديكور كانت له خصوصيته ،ان كان عبر التداخل مابين الخشبة مع الصالة،أو بتشكيلاته المتنوعة ،والتي استطاعت ببراعة متناهية ،ان تخدم العمل ، وتبلور شروطه المكانية ، و قدتم العمل عليه بآلية ابتكارية متميزة، فذاك الفضاء اجتمعت عنده خيارات إبداعية ،ظهرت في كل مفرداته وعناصره ، فمنحتها الفرص ، للتحليق و الإيحاء بأجواء درامية و أمكنة عديدة و أزمنة متباينة ،مثلا ساعدت الإضاءة بسلاسة التنقل بين أمكنة العرض،وهي كثيرة فهناك مقبرة و قصر و مخدع الملك و مخدع الحبيبة و غيرها،عدا عن اعتماد العرض على مجموعة من الراقصين المبدعين، والذين أدوا رقصات، كانت بمثابة فواصل فنية، تماهت بامتياز مع تفاصيل العرض ، فأوحت بأجواء درامية خاصة التصقت بالعرض، وقد صممتها الفنانة (يارا عيد )الأستاذة في قسم الرقص،التابع للعهد العالي للفنون المسرحية ، كل تلك المعطيات مجتمعة بلورت حالات درامية كثيرة ،عبر أشكال فنية جديدة،عادلت أجواء النص المسرحي من جهة ،ومن جهة ثانية حققت شروطاً مسرحية متفردة ،تنتمي إلى رؤيا بصرية لها خصوصيتها في عالم المسرح ، حيث العناية بالصورة المسرحية ، والتألق في تفاصيلها من خلال الاعتماد والعمل على ماهو مرئي ، ،مما أضفى على العرض المشهدية المعاصرة من جهة ،ثم التزامن مع الغنى الإنساني الذي يمتلكه النص من جهة أخرى ، لذلك برزت مفردات العرض الفنية بشكل مختلف ،واتسمت بالحيوية والتألق ، كل على حده، عنصرا بعد عنصر،و بدءا من الإضاءة إلى الأزياء إلى المؤثرات الصوتية ،و أشكال وإكسسوارات عادلت الكثير من الأفعال المسرحية،وأنابت عنها ،فرمزت لها لتساهم أيضا،بالخلق لمشاهد غنية بصريا ودراميا،وبالتالي التجسيد لمسرح يبلور ملحمية الصورة المسرحية بالشكل الجذاب ،فيلفت الأنظار بقوة ،إلى سحرها الخاص في عالم المسرح،فهذه الميزات كلها أدخلت العرض ،في آفاق إبداعية ومساحات من التلون والتجوال الدقيق ،في دائرة أبقته ضمن شروطه التي بدأ و استمر وتطور عبرها، ما منح العرض جدة الأسلوب بامتياز ،فاتضحت المعاصرة على كل مفردات العرض ،وذلك تحقق بحضور حلول ، أفرزت الكثير من المعادلات الفنية الموازية لعالم النص، و التمكن من نقلها بآليات فنية انتزعت الإعجاب، و نقلت نصا مسرحيا مكتنزا بالصراعات الإنسانية و النفسية الحادة، ورغم قسوتها و أجوائها الدرامية و التراجيدية ،فقد أبدعت في التقاط حالات حياتية استثنائية بحق، قد يعيشها الإنسان،وترتبط معه في كل الأزمان ، يعجز فيها عن الفصل في مواقفه،بحضور عالم زاخر بالمبررات المتعددة ، فصور هنا حالة إنسانية درامية تحفزه على الحزم ،وبالتالي توجهه و تؤهله إلى الوجهة الصحيحة، إلى القيمة الإنسانية الأهم ،‏

أما أداء الممثلين جسد احد أهم الأركان الفنية ،التي ساهمت بنجاح العرض ،خصوصا بحضور أكاديميين منهم، إلى جانب مخضرمين في عالم المسرح السوري ،لاسيما الفنان يوسف المقبل في دور(كلوديوس) و(محمد خير الجراح ) (عدنان عبد الجليل) ،وبالمقابل حضرت مجموعة من الشباب خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية منهم كان الفنان( وسيم قزق) بدور (هاملت ) ( محمود نصر)(أروى عمرين) (بتول محمد) (احمد علي) ( كرم الشعراني) وغيرهم‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية