|
كتب هو في تقديم بضع نصوص أدبية أغفلت أسماء كتابها وطلب من القراء تحديد هوية النصوص كما الكتاب, بمعنى البحث عن ذكورية النص أو أنثويته بناء على حكم وذائقة وخبرة المتلقين, هذه التجربة المحدودة والنوعية أيضا, تعيد لجدل النسوية التي شاعت كخطاب في أدبياتنا و ما قد يفهم منها من مفهوم آخر متصل هو الجنوسة (الجندر), الذي أخذت به المناهج النقدية الحديثة وأشاعته بكل ما يتضمن من اختلاف أو اتفاق, النسوية إذن مازالت تلقى القبول أو الرفض أو التردد الذي يضمر حياء معرفيا وارتيابا منهجيا, حد الفضيحة أو الجدأة لم تستقر إذن في فكرنا النقدي ودهاليز الثقافة وأروقة الإبداع والتجريب.
ولانعدم أن كثيرا من الدراسات والحلقات البحثية والتلفزيونية والصحافية قد قاربت إشكالية النسوية بعضها لم يمتلك منهجا واضحا ورؤية إنما الكثير من الحماس والتواطؤ والاستثارة العاطفية, وبعضها الآخر نجا من شرك التأثيم والثقل السيكولوجي ليفتح في أفق البحث عن الجماليات صيغا وجودية لايقوم على إقصاء النص النسوي بكل مكوناته من الدائرة الثقافية الأشمل كفعل خارج التحيز أو العداء. من تلك المقاربات الجادة والتأصيلية بكثافتها الموضوعية وعلميتها على الرغم من اختزال أمثلتها والايحاء للقارئ بأن المقام أو المجال لا يتسع للاستفاضة ما يجعلها أقرب لمقالة كثيفة مع تنوع عناوينها الدالة وثرائها المرجعي. الكتاب الجديد الذي وضعه الناقد والقاص والروائي والمسرحي الفلسطيني د. حسين المناصرة والذي جاء بعنوان لافت هو (النسوية في الثقافة والإبداع) . الناقد المناصرة يكثف الإشكاليات في رؤى ثلاث تنطلق أولها من ضرورة توضيح بعض الجذور الثقافية: الأسطورية والدينية والجمالية والأدبية وثاينها محاولة إيجاد مبررات منطقية تساهم في انتاج جماليات نظرية الكتابة النسوية المعاصرة وثالثها تحديد بعض الرؤى المبررة لانتفاضة نسوية تبرز ملامح المرأة المختلفة عن السياق الحريمي المشيأ. إذن فالمرأة في مهب الوعي الذكوري بصورها ونماذجها, بخصوصياتها وعمومياتها بآن ستكون البطلة التراجيدية في الموروث العربي كما في الموروث العالمي بصرف النظر عن إيقاعها الأنثوي على أهميته ولكن بمقدار الإزاحة التي تحرر ذلك الايقاع الجسدي من الاختزال أو المبالغة أو مضاعفات العقلية الذكورية واستيهاماتها, إن اعتراف الناقد بصعوبة الإحاطة بتلك الإشكاليات لايحيلنا إلى طبيعتها وتعدديتها فحسب بل على راهينتها في فضائنا الثقافي, كما راهنية السؤال حول وجود نظرية في الغرب نسوية وفي الثقافة والإبداع ألا تستدعي وجود نظرية نسوية عربية كما تساءل- المناصرة- وبشكل آخر وجود نظرية نقدية نسوية تفيد من السجال بين النظرية النقدية ونظريات ما بعد الحداثة التي استفادت منها النظرية النسوية الغربية مع الأخذ بعين النظر, اختلاف السياق الثقافي بكل دلالاته اللغوية والفكرية ذلك أن النقد النسوي الغربي القائم على اتهام العالم الغربي بأنه مجتمع أبوي ومعه أصبح للثقافة الغربية منظور هو ثقافة الذكر التي تقابلها صيغة التجربة الأنثوية المتميزة ومحاولات تحديد سمات لغة الأنثى في الكلام المنطوق وبنية الجملة وأنواع العلاقات بين عناصر الخطاب وخصائص الصور المجازية والخالية بحسب المصطلح النقدي, فهل لدينا ارهاصات ما قبل النسوية?! الناقد المناصرة ينبه إلى أن تحقيب مرحلة ما قبل النظرية النسوية يجب ألا يحمل أكثر باتكاءه على كتاب: المرأة والكتابة, سؤال الخصوصية بلاغة الاختلاف للباحثة رشيدة بن مسعود بمساءلة منهجها وملامح كتابتها وجهدها التنظيري ومحاولتها ابرز السلبيات والمآخذ على الكتابة النسوية في النقد العربي من منظور ايجابي وسمات فنية تشكل جمالية خاصة للكتابة النسوية. إن التعويل على التناقص الإيجابي والاختلاف سيشكل لدى الناقد المناصرة الارهاصات العملية لتوازن الخطاب النسوي مع الخطاب الذكوري ثقافيا وإبداعيا لكن البعد الآخر من الرهان هل يحتمه وجود ناقدات نسويات متصالحات مع نقد هن كابداع محتمل?! لن ننشغل إذن بتأخر النظرية النقدية النسوية كما شغلنا بتأخر النظرية النقدية العربية كي لانقع على استحقاق خسارة بامتياز وما لم تبرأ ثقافتنا قبل ابداعنا من حضور الغياب وثقافة الخوف والهروب أماما من الآخر تواطئا أو استلابا. الكتاب: النسوية في الثقافة والإبداع - المؤلف : د. حسين المناصرة - الناشر: عالم الكتب الحديث, اربد الأردن. - الطبعة الأولى: 2008 |
|