تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في يـــــوم المســــرح العـــــالمي:استعــادة المســرح من المؤسـسة

ملحق ثقافي
30 / 3 / 2010
د.علي محمد سليمان:يحتفل العالم بيوم المسرح العالمي في السابع والعشرين من آذار كل عام في تقليد بدأ في عام 1961.

بدأ هذا التقليد السنوي بمبادرة من المعهد الدولي للمسرح ثم تحول إلى مناسبة احتفالية ساهمت في إغناء الثقافة المسرحية في أنحاء العالم عبر التأكيد على الطابع الإنساني والكوني للظاهرة المسرحية ولما تمنحه من إمكانيات تعبير وحوار ولقاء بين البشر. ويحدد المعهد الدولي للمسرح أهداف يوم المسرح العالمي بصيغة لا تخلو من حماسة وتفاؤل بدور المسرح في تشجيع الحوار بين الشعوب وتطوير فرص السلام والازدهار.‏

وخلال عقود طويلة من عمر هذا التقليد تكرست تقاليد إحتفالية بهذه المناسبة في مختلف أنحاء العالم عبرت في تنوعها عن تنوع الثقافات المسرحية في العالم وعن اختلاف شروطها الاجتماعية والسياسية والثقافية. وما يلفت النظر هذا العام أن أصواتاً عديدة من مكونات العمل المسرحي في أنحاء العالم بدأت تعبر عن مواقف نقدية تجاه معنى ودلالة هذه المناسبة في عصرنا الراهن. ففي بريطانيا نشرت صحيفة الغارديان استطلاعاً مطولاً نشر على حلقات أكد فيه العديد من العاملين في المسرح أن يوم المسرح العالمي قد فقد ألقه وحرارته مقارنة مع الماضي. ويشير بعض المختصين في الاستطلاع إلى أن يوم المسرح العالمي لم يعد موجوداً بالفعل في بريطانيا على الصعيد الرسمي وأن هذه الحالة ليست بسبب تراجع ألق المناسبة إنما هي حالة عامة يمكن ملاحظتها في غالبية الدول المتقدمة.‏

واللافت للإنتباه أن المهتمين بشؤون المسرح في بريطانيا قد عبروا عن رأي مفاده أن مناسبة يوم المسرح العالمي لم تفقد حيويتها وحرارتها في الدول النامية في جميع أنحاء العالم. ويعود ذلك في رأيهم إلى أن المسرح في تلك الدول لم يزل بالنسبة لشرائح المهتمين والمبدعين والعاملين بمثابة قضية وحلم يرتبط إلى حد بعيد بمسائل الهوية والثقافة الوطنية. قد يكون في هذا الكلام نزعة تبسيطية تتجاهل أن المسرح في أي بقعة من العالم هو هاجس إبداعي فردي في الدرجة الأولى وهو قلق ومشروع جمالي يمارسه المبدعون في تلك "الدول النامية". صحيح أن هذا المشروع الجمالي محكوم بقدر أن يكون مرتبطاً بالسياسي والعام بدرجة أكثر حدة وربما أكثر خطورة مما هو الحال عليه في الدول المتقدمة أو الصناعية، لكنه يبقى مشروطاً قبل ذلك كله بكونه فناً وتعبيراً جمالياً.‏

لقد ارتبط المسرح بالفعل في الدول النامية بقضايا الهوية والثقافة الوطنية وبمشاريع التحديث والاستقلال، ولكنه وعبر تطوره استطاع أن ينجز تجارب تجاوزت شرطها السياسي والاجتماعي المباشر للتتحول إلى مكونات أساسية وفاعلة في الثقافة المسرحية العالمية. ولعل تعبير الثقافة المسرحية هنا هو إنجاز من إنجازات المسرح في الثقافات التي استطاعات إبداع تعبيرات جديدة ساهمت في تطور المسرح في الدول الغربية ذاتها مما حول الظاهرة المسرحية إلى تجربة كونية تتفاعل فيها جميع الأسلوبيات والجماليات واللغات. وفي هذا الواقع الجديد لم يعد من المنطقي إختزال التجارب المسرحية في الدول النامية إلى مجرد إنعكاس أو تعبيرات عن مشاريع سياسية أو إجتماعية. لقد أصبحت مقولات كهذه من مخلفات حقبة انتهت منذ عقود طويلة.‏

أما فيما يتعلق بواقع مناسبة يوم المسرح العالمي في دول متقدمة مثل بريطانيا، فمن المثير أن الصحافة الثقافية عكست نزعة جديدة للتعامل مع هذه المناسبة. يعبر الناقد مايكل بيلغنتون عن ذلك بقوله أن على المسارح ان تحتفل بيوم المسرح العالمي من خلال توجهها إلى الشرائح الهامشية من المجتمع. ويتفق بيلغنتون مع التوجه الذي عبر عنه الفنانون المسرحيون الشباب، فهم يرون أن يوم المسرح العالمي أصبحت مناسبة للتعبير على التمرد على المؤسسات المسرحية التقليدية في بريطانيا. إنها مناسبة للإحتفال بالهامشي والمغاير في الثقافة المسرحية البريطانية التي احتكرت من قبل المؤسسات العريقة التي أصبحت مغتربة عن حيوية الظاهرة المسرحية من حيث انتمائها إلى الواقع بكل تناقضاته وتعدديته. وقد عبر المسرحيون الشباب في الحقيقة عن رغبة قوية باستعادة المسرح من المؤسسة من خلال تحويل يوم المسرح إلى احتفال يناهض احتكار المؤسسة التقليدية للمسرح.‏

إن دعوة المسرحيين الشباب هذه إلى استعادة المسرح من المؤسسة في بلد يمتلك تراثاً مسرحياً عريقاً لا بد أن يثير فضولاً وشجوناً لدى مسرحيينا. فنحن الذين ما زلنا نبحث عن ثقافتنا المسرحية ومازلنا بشكل أو بآخر نسعى إلى تحويل العرض المسرحي إلى حدث ينتمي إلى محيطه الاجتماعي لدينا قصة معقدة مع المؤسسة. هل يستطيع المسرح الاستمرار دون المؤسسة لدينا؟ لا يبدو ذلك ممكناً في الأفق المنظور لأسباب يطول شرحها في هذا السياق، إلا أن واقع المؤسسة لم يعد في أي حال قادراً على تطوير العمل المسرحي بصيغ عصرية قادرة على التفاعل مع الثقافة المسرحية العالمية.‏

فليكن يوم المسرح العالمي مناسبة لاستعادة المؤسسة من غيابها ودعوة للبحث الجاد عن أساليب عمل جديدة لا تكتفي بالاحتفال الموسمي الباهت بأمجاد ولى زمنها أو بأوهام لم تعد تتمتع بأي جاذبية في أيامنا. هناك ضرورة ملحة للبحث عن آفاق جديدة، فالعالم سيكون أكثر قبحاً وقسوة دون مسرح.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية