تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بلاد الشام أصالة الفنون العربية

ملحق ثقافي
2018/8/14
عبد الحكيم مرزوق

بدعوة من المركز الثقافي العربي بحمص، ألقى الباحث جميل عمر القيم محاضرة بعنوان جذور الفن الإسلامي في بلاد الشام، وذلك بحضور جمهور من المهتمين، في قاعة الدكتور سامي الدروبي في المركز الثقافي العربي بحمص.

قدم الباحث في بداية محاضرته لمحة تاريخية عن بلاد الشام؛ حيث قال إن جيوش المسلمين حين دخلت بلاد الشام سنة 633 م بعد معركة اليرموك، لم يكن يطلق اسم سورية إلا على القسم الغربي الأوسط من خارطة ديار الشام كما نعرفها اليوم، ويدخل في ذلك قسم من العراق، ولم يستعمل العرب اسم سورية، بل أطلقوا اسم الشام على هذه البلاد التي أقام فيها العرب النازحون من الجنوب حضاراتهم المتعاقبة: الأكادية والعمورية والآرامية والكنعانية. أما الفرس والرومان أنفسهم كانوا يطلقون اسم سورية مشتقاً من السوريان أو السريان، وهو اسم اللغة التي يتكلمها الكلدانيون والآراميون والأنباط. ولقد عمّ استعمال لفظ سورية على جميع البلاد الممتدة من الرها وأنطاكيا شمالاً إلى الأردن وسيناء جنوباً بما في ذلك الساحل الكنعاني.‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وأشار “القيّم” إلى أن سكان سورية من العرب كانوا قد نزحوا من شبه الجزيرة العربية بسبب القحط وصعوبة العيش، وأضاف أن اللغة السائدة بين جميع سكان بلاد الشام هي اللغة العربية والآرامية على اختلاف لهجاتها. واستمرت هذه اللغة دون أن تتأثر باللغتين الإغريقية واللاتينية. ورأى أن اللغة الآرامية شقيقة العربية وتجلت بكتابة وحروف لم تلبث أن أصبحت بعد تطوير طفيف هي الكتابة العربية التي نستعملها حتى يومنا هذا دون تأثير من الكتابتين الثمودية والصفوية الجنوبيتين.‏

وأشار المحاضر إلى أن التراث السائد عند فتح الشام هو تراث الروم البيزنطيين الذي تزخر سورية بشواهده في حوران وغوطة دمشق، حيث كان يوجد خمسة عشر ديراً، ولا تزال أطلال قصر ابن وردان وأطلال الأندرين وغيرها، وفي الرصافة المركز المسيحي الهام، لا تزال آثار كنيسة القديس جورجيوس التي ترجع إلى القرن الخامس وكنيسة سمعان التي ترجع إلى 490 ميلادية. وأوضح أن الشام عند نشأة الإسلام، كانت تحت تأثير حضارتين واضحتين هما الحضارة الساسانية في العراق والتي امتد تأثيرها إلى سورية، والحضارة الكلاسيكية البيزنطية التي كانت قد توطنت في سورية من شمالها إلى أقصى الجنوب.‏

وقال: لقد كان لتوسع العرب المسلمين ووصولهم إلى شبه الجزيرة الايبيرية مدخل أوروبا الجنوبي، أكثر الأثر في انتشار الحضارة الشامية الإسلامية. وتوصل إلى أنه قد تأكد وجود السوريين في بلاد الأندلس، وظهرت في عهد الأمويين صناعات جديدة في الأندلس، كصناعة الحرير التي انتقلت من الصين عن طريق أهل الشام. و كان لتأثير المشرق في فنون الأندلس سبب في دعم شخصية الفن الإسلامي الذي سبق أن ولد في الديار الشامية، وقال:‏

“لئن كانت ولادة الفن الإسلامي قد تمت بالشام، فإن الكتابة العربية والخط العربي، وهما عماد الفن والثقافة، قد نشأا أيضاً في بلاد الشام منذ قبل الإسلام. ونقش النمارة الذي عثر عليه في قصر النمارة في حوران في مدفن امرؤ القيس بن عمر، قد دون بالخط النبطي المتأخر الذي يشبه الخط الكوفي”.‏

وتوصل إلى أن الشواهد تدلنا على نشأة الكتابة العربية، والتي عثر عليها في ديار الشام، وهي كافية لتحديد مبدأ تطور الخط العربي. ومن ثم تحدث عن نشوء النقد الإسلامي، مشيراً إلى أن العرب في الجزيرة قد تداولوا منذ قبل الإسلام النقود الكسراوية، وهي دنانير ذهبية ودراهم فضية وفلوس نحاسية. وبدأت الكتابات العربية تظهر على هذه النقود بعد عام 31 هجرية.‏

وفي حديثه عن العمارة الإسلامية الأولى قال إن العمارة الإسلامية تكونت في بلاد الشام، وإن المسجد الكبير في دمشق يعتبر أول نجاح معماري في الإسلام كما يقول سوفاجيه، وهو حلقة هامة تربط تقاليد العمارة المسيحية السورية بعمارة إسلامية جديدة، وأشار إلى أن أهل الشام برعوا بإقامة الأقواس والقباب في العهود الكلاسيكية.‏

ثم انتقل الباحث إلى الحديث عن العمارة المدنية المتمثلة بالقصور الأموية التي بلغ عددها ثلاثين قصراً، وركز على اللوحات الجدارية والتأثيرات البيزنطية، حيث وجد أن أقدم حمام إسلامي أنشئ في بلاد الشام هو حمام قصير عمرة، الذي ما زال قائماً حتى الآن. وتطرق الباحث إلى بدوات الرقش والتصوير الإسلامي،حيث وجد أن من مظاهر اتصال الفن الإسلامي في بدايته بالفن الساساني، ما نراه في زخرفات قصر المشتى من تفريعات للمراوح النخيلية ومشتقاتها وفي قصر الحير الغربي، وأشار إلى تأثير الفن السوري الكلاسيكي في مجال الزخرفة في استعمال نبات الأكانت وورقة الكرمة كانت أكثر الصيغ الزخرفية شيوعاً. وقال: “مما لا شك فيه أن نظام الزخرفة العربية “الارابيسك” هو إرث محلي قديم؛ حيث نرى الزخارف ذات مستوى واحد وتكسو السطح كله، كما نرى الزخارف منتظمة في خطوط عمودية على خلفية غائرة، مما يعطي تأثيراً جمالياً جذاباً مستمداً من التباين بين الضوء والظل. وفي مجال تصوير المنمنمات، فإن المدرسة العراقية قد تأثرت بالمخطوطات المانوية. والمنمنمات السورية بقيت مرتبطة بتقاليد الفن المحلي التي حفظها المصورون السوريون الذين استمروا في ممارسة تصوير الكتب الإسلامية وتذهيبها”.‏

وقال في حديثه عن الفنون التطبيقية: إن شواهد صناعة الخزف تبدو أكثر توافراً. وأشار إلى أن انتشار الخزف المزين بزحارف ملونة في بلاد الشام تحت ميناء شفافة غير ملونة وذات لون أزرق .‏

والزجاج من المكتشفات الفينيقية التي استمرت فيما بعد شخصية، ورأى أن شخصية النسيج الإسلامي تحددت بنفس الطريقة التي تحددت فيها شخصية النقد، مشيراً إلى ظهور صناعة التحف المعدنية كتقليد راسخ في بلاد الشام وانتقال تقاليد هذه الصناعة إلى أوروبا وخاصة البندقية التي كانت مركز هذه الصناعة. وختم بالقول: “إن الفن الإسلامي نشأ في غير بلد منشأ الدين الإسلامي على أرض عربية. ترجع أصول الفن إلى بداية التاريخ، فهو بهذا المعنى فن أصيل، وهو استمرار لتقاليد راسخة، ولكنه متطور وفيه الكثير من الخصائص والمزايا التي فرضتها الشخصية العربية الناهضة من جديد والتي توضحت بسرعة مذهلة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية