|
أضواء والتي تعكس الى حد بعيد نظرة القوى الصهيونية الاشد تطرفا داخل اسرائيل وخارجها. ولعل خطاب نتنياهو، والاهم سلوك حكومته على ارض الواقع، يبدد بشكل قطعي التوصيفات الرائجة بأن نتنياهو سياسي براغماتي ويمكن معه التوصل الى حلول وصفقات. ومن الواضح انه صهيوني مشبع بالايديولوجيا التوراتية وما تحالفه مع الاحزاب الاشد تطرفا، وعزوفه حتى عن التحالف مع حزب يميني أقل تطرفا مثل كاديما، الا تجسيدا حيا لهذه الحقيقة. وفي خطابه امام « ايباك » قال نتنياهو ان القدس «ليست مستوطنة بل عاصمة اسرائيل»، مضيفا أن ما دعاه بالشعب اليهودي بنى القدس قبل ثلاثة آلاف عام وهو يواصل بناءها اليوم. تذكر مصادر تاريخية أن الملك اليبوسي (ملكي صادق)هو أول من بنى يبوس أو القدس، وكان محبا للسلام، حتى أطلق عليه ملك السلام ومن هنا جاء اسم المدينة وقيل إنه هو من سماها بأورسالم أي (مدينة سالم). واليبوسيون هم اول من سكن القدس، وهم من قبيلة يبوس التي تنحدر من الكنعانيين، وهم بطنٌ من بطون العرب الأوائل وفرعٌ من الساميين حيث ينسبون إلى سام بن نوح ،وقد نزح اليبوسيون من شبه الجزيرة العربية موطن العرب منذ أربعة آلاف سنةٍ قبل الميلاد، وحطوا رحالهم حول نبعٍ غزير فوق أحد جبال القدس، ومن ثم استوطنوا فلسطين وانشؤوا فيها المدن وسميت بأرض كنعان. وقد ورد اسم فلسطين على انها أرض كنعان في التوراة في سفر العدو وفي سفر الخروج . أما الفلسطينيون الذين سميت البلاد باسمهم فيما بعد، فقد كانوا يسكنون البلاد في القرن الثاني عشر قبل الميلاد أي قبل أن تبدأ القبائل العبرية بالتسلل إلى فلسطين أو أرض كنعان في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وكان فيها سكان البلاد في ذلك الحين ألا وهم الفلسطينيون والكنعانيون، بثقافتهم وحضارتهم ومدنهم القائمة. ولم يحدث قط أن أذعن السكان الأصليون للمتسللين من العبرانيين، فقد ظلوا مسيطرين على السهول الساحلية الممتدة على طول البحر الأبيض المتوسط، ولكن استطاع العبرانيون السيطرة على سلسلة الجبال الداخلية بما فيها القدس لمدةٍ نحو قرنين من الزمان، وذلك بعد خروج بني إسرائيل من مصر في عهد رمسيس الثاني عام 1250 قبل الميلاد، وكان قائدهم آنذاك هو النبي موسى عليه السلام، ولما وصلوا إلى مشارف القدس رفضوا المحاربة مع موسى ودخولها كما هو مذكورٌ في القرآن الكريم مراراً وتكرارا، فكان عقابهم هو التيه في صحراء سيناء أربعين عاما، وبعد وفاة موسى جاء من بعده يوشع وقاد بني إسرائيل لاحتلال أريحا عام 1189 قبل الميلاد، ولكنه لم يستطع احتلال يبوس، وبعد وفاة يوشع زحفوا إليها من جديدٍ بقيادة يهوذا واستطاعوا احتلالها، ومن ثم دخلت يبوس في حكم داوود عام 1049 قبل الميلاد، وثم دخلت في حكم سليمان. وبعد موت سليمان اختلف أبناءه فيما بينهم وانقسمت مملكته الى يهودا وعاصمتها أورشليم وإسرائيل وعاصمتها شكيم، وبقيت الدولتان في حالةٍ من الفوضى والنزاع إلى ان جاء نبوخذ نصّر عام 590 قبل الميلاد وقضى على كلا الدولتين ونفى العبرانيين إلى بابل. بعد ذلك، ظهر المكابيون واستولوا على القدس عام 563 قبل الميلاد، وهم أيضاً من العبرانيين، ولكنهم اختلفوا فيما بينهم أيضاً ولم يمهلهم القائد الروماني يوجي واحتل القدس منهم في نفس العام وقضى عليهم وعلى الوجود اليهودي في القدس تماما . وفي عام 538 قبل الميلاد، احتل الفرس القدس وكانت تسمى حينها أورسالم واستطاع اليهود العودة إليها بعد أن استطاعت الغانية اليهودية الحسناء إستر عشيقة ملك بابل استخراج قرارٍ يسمح لليهود بالعودة إلى بيت المقدس، وظلت اورسالم تابعةً للفرس ويسكنها اليهود حتى أحتلها الإسكندر المقدوني عام 332 قبل الميلاد . ثم دخلت هيروساليما في حوزة الرومان على يد بومبي عام 63 قبل الميلاد، ومن حكامهم كان هيرودست الذي ولد المسيح عليه السلام في آخر حكمه، وصلب شبيهه في عهد بيلاطس بونيتوس، ويقال إنه أُكره على عملية الصلب على يد اليهود، ومن ثم جاء القائد تيطس عام 70 للميلاد وحاصر القدس طويلاً حتى سقطت في يده، فأسر من اليهود من أسر وقتل منهم من قتل، وبيع بقيتهم في سوق الرقيق.. ومنذ ذلك الوقت انقطعت صلة اليهود ببيت المقدس وحكمها الرومان حتى عام 637 للميلاد حين فُتحت القدس على يد المسلمين وسُلمت المدينة إلى عمر بن الخطاب دون أن تسفك قطرة دمٍ واحدة. وقد فشلت جميع الحفريات التي جرت من قبل سلطات الاحتلال والسلطات الاجنبية من أمريكية وبريطانية في العثور على آثارٍ إسرائيليةٍ أصيلة في القدس بهدف إضفاء صفة الشرعية على احتلالها وتوطين اليهود ، وفشلت في العثور على أثرٍ واحدٍ للهيكل المزعوم أو ما يسمى بهيكل سليمان والذي يعتبره الإسرائيليون الدليل المادي على أحقيتهم في المدينة المقدسة . ويقيم الصهاينة حقهم المزعوم في القدس على أساسٍ ديني، وعلى أساس أن التوراة وعدتهم بالعودة إلى فلسطين. ولكن حتى تلك النبوءة المزعومة تحققت فعلا، فلقد عاد اليهود إلى فلسطين بعد السبي البابلي كما أسلفنا ، ولكن ليس هنالك ما يقول في التوراة بأن هنالك عودةً ثانيةً لهم، بل على العكس من ذلك، تُقر التوراة بتشتت اليهود الأبدي على غرار ما ورد في القرآن الكريم . وعلى سبيل المثال جاء في التوراة ( موسى 5، 64 ) « سيشتبك يهوه بين كل شعوب الأرض من أقصى الأرضِ إلى أقصاها) و (يرميا 13، 14) « ولذلك أريد أن أشتتهم كالهشيم الذي تذروه الرياح في الصحراء» . وقد كان الوعد الإلهي لهم بالعودة إلى فلسطين مشروطاً بالولاء لله والمحافظة على عهده، والحقيقة المعروفة للجميع أنهم قد أخلوا بتلك الشروط وخالفوها، بل وحتى ان ذلك قد ذُكر في التوراة أيضا (سفر أخيار الأيام الثاني، الإصحاح السابع) « ولكن انقلبتم وتركتم فرائضي ووصاياي فإنني أقلعكم عن أرضي» . وفي روايةٍ أخرى من التوراة أيضا، جاء ما يثبت ملكية القدس لليبوسيين ويبين أنهم (أي بني إسرائيل) كانوا غرباء عنها. « وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جداً، قال الغلام لسيده تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده لا نميلُ إلى مدينةٍ غريبةٍ لا أحد فيها من بني إسرائيل» . وبهذا يتبين أنه لا حق لليهود في فلسطين ولا في القدس بأي وجهٍ من الوجوه، بحسب كافة القوانين والشرائع السماوية منها والوضعية من قبل البشر. |
|