تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الخيارات العربية.. في ضوء الغطرسة الإسرائيلية

شؤون سياسية
الخميس 25-3-2010م
علي سواحة

شكلت سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من خلال تحديه السافر للإدارة الأميركية في الاستمرار بمشروعه الاستيطاني منحى جديداً في ملف الصراع العربي الصهيوني في وقت ما زال فيه الموقف العربي لا يرتقي إلى اتخاذ القرار الحاسم للرد على هذه العربدة الصهيونية الجديدة.

إن من الخطورة أن ينحصر هذا الموقف بين دفتي الإدانة والتنديد أو التلويح في الاقتناع عن العودة إلى مفاوضات سواء مباشرة أم غير مباشرة لا تسمن ولا تغني عن جوع. ومن الخطورة أيضاً أن يبقى العرب في ظل هذه الآلية التي جعلت قضية العرب المركزية فلسطين في دوامة جديدة من الضياع. إذ لم يعد أمام هذه الأمة في ضوء هذا الوضوح الصهيوني الجديد لنتنياهو إلا أن يرفعوا لواء التحدي في وجه هذا الإرهابي الذي يحاول اليوم أن يعيد دائرة القضية إلى المربع الأول كي يحل نفسه من أي التزامات أو اتفاقات سابقة في ظل ما يلقاه من دعم لا محدود من الإدارة الأميركية رغم تقويضه لأي مشروع لها قد يساعد على قيام دولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني.‏

لقد عبر نتنياهو عن عنصريته بشكل أوضح حين أعلن أن مشروع الاستيطان على أرض كامل فلسطين لن يتوقف عند أي حد، وهو على يقين أن إدارة الرئيس أوباما لن تقف في طريقه وهي الإدارة التي تتحسب منذ اليوم للانتخابات التشريعية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل الذي يجعلها بحاجة إلى إرضاء إسرائيل. وهذا يقودنا إلى حقيقة مطلقة في ظل هذه المعادلة القائمة أن أية مفاوضات قادمة لن تحقق شيئاً في ظل موازين القوى الحالية، أي في ظل العجز العربي وفي ظل العجز الأميركي حيال إسرائيل وهذا ما ثبت في ظل التحدي الإسرائيلي الذي مارسته حكومة نتنياهو في وجه أركان الإدارة الأميركية وحققت مرادها أمام العالم وأثبتت بما لا يقبل الشك أن إسرائيل هي المسيطرة على القرار الأميركي وليس العكس كما يعتقد البعض.‏

الأمر الأخطر من هذا وذاك أن العربدة الإسرائيلية بلغت حدوداً لا تصدق.مع ربحها الجولة مع واشنطن كما هو الحال دائماً من قبل لكن في هذه المرة تواصلت جولة الربح هذه بخطوات في الاستيلاء على أقسام هامة من المسجد الأقصى المبارك واستيلائها على أحياء كاملة من بيوت الفلسطينيين في منطقة السلوان وحي الشيخ جراح بالقدس واعتقالها العشرات يومياً من الفلسطينيين من بيوتهم بحجة رشقهم جنود الاحتلال بالحجارة، إضافة إلى بناء اليهود كنيساً يهودياً جديداً بجوار المسجد الأقصى إيذاناً بانطلاق مشروعهم لإعادة بناء الهيكل المزعوم تحقيقاً لنبوءة أحد الحاخامات الذي قال: إنه في القرن الثامن عشر حدد اليوم السادس عشر من شهر آذار في عام 2010 البدء في عملية البناء هذه وأنجزت قبل أيام إسرائيل هذا الموعد دون أن تعبأ بأحد أو تهتم لأحد. ولعل هذه الصدمة لم تكن الأولى والأخيرة لنا كعرب بقدر ما هي صدمة في الموقف العربي الذي لم يرق إلى مستوى الخطورة وإلى إشهار التحدي بقدر ما ارتقى إلى حالة تنديد وصمت وكأن هذه العربدة الإسرائيلية قدر لا مفر منه ولا تستحق الاستنفار أو الغضب.‏

الأمر المحزن والأسوأ في إطار العربدة الإسرائيلية هذه مقابل هذا الموقف العربي المتشرذم ما قبل به العرب، أي المفاوضات غير المباشرة بين الإسرائيلين والفلسطينيين. وكأن هذه المفاوضات كانت غير موجودة، لكن اللعبة كانت بالطبع من إعداد الجانب الأميركي وكذلك من إخراجه لكن هذه المرة أيضاً أرادها المخرج أن تكون وتتم بغطاء عربي وللإيحاء بأن وساطته نجحت وتحقق المراد المطلوب كتعويض عن الفشل الأميركي المتلاحق في المنطقة، لكن الرد الإسرائيلي كان بالطبع أبلغ كما هو معروف من أن يعبر عن نفسه وعن حقيقة المشوار الصهيوني وأهدافه في فلسطين قلب الأمة العربية.‏

وعلى هذه الوقائع جاء الموقف الإسرائيلي ساخراً من الموقفين الأميركي والعربي سوية، هذه هي الصورة بحقائقها وتفاصيلها كما ارتسمت معالمها اليوم وقد قدمتها حكومة نتنياهو للجانبين العربي والأميركي بكل وضوح ودقة وهي أن إسرائيل ملتزمة بمواصلة الاستيطان لكل فلسطين أكثر من التزامها بأي شيء آخر وبأن السلام ليس وارد في أي فكر من أفكار التلمود الصهيوني. فماذا بعد أيها العرب والأميركيون وعلى ماذا تراهنون وإلى متى تنتظرون؟ إنها بالطبع أسئلة موجعة للغاية ومؤلمة للغاية إن لم نجد لها الأجوبة الصحيحة.‏

إن القمة العربية المرتقبة لعلها تكون ساعة الحسم في تحديد الخيارات العربية المطلوبة بعد ما حددت واشنطن وإسرائيل خيارهما ضد أمتنا وكرامتها ولم يعد أمام هذه الأمة وقادتها سوى الرهان على الذات والمقاومة بأوسع معانيها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية