تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المسار الخاطئ للعلاقات الأميركية- الإسرائيلية.. شهادة بترايوس

شؤون سياسية
الخميس 25-3-2010م
محمد خير الجمالي

أقل ما يمكن أن توصف به العلاقات الأميركية- الإسرائيلية أنها علاقات ميزاتها تميل لمصلحة إسرائيل وتمضي في مسار خاطئ ما دامت إسرائيل فيها الطرف المتلقي لكل أشكال الدعم المالي

والعسكري والأمني والسياسي دون حساب, وما دامت أميركا فيها الطرف الذي يتعين عليه أن يمنح إسرائيل كل ما تطلبه من مساعدات ودعم بالمجان و دون منة حتى وإن كان ذلك على حساب المصالح الأميركية نفسها.‏

وفي إطار هذه العلاقة ممنوع على أميركا أن تطلب من إسرائيل ما لا يروق لها, والمسموح الوحيد به هو أن تظل أميركا تحابي إسرائيل وتجاريها في كل توجهاتها السياسية والعسكرية حتى وإن انعكست هذه المحاباة سلباً على سمعة أميركا وعلاقاتها وسياساتها واستثارت شعور الكراهية والبغضاء ضدها.‏

وقبل أيام قليلة, وفيما كان المستوى السياسي الأميركي يتسابق لتأكيد التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل ومحاباتها رغم الإهانة الجارحة التي وجهتها للإدارة الأميركية بإعلان العديد من خطط الاستيطان رداً على طلبها وقف الاستيطان, خرج الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة الوسطى الأميركية بشهادة أمام لجنة استماع في مجلس الشيوخ أوضح فيها الكثير من مخاطر استمرار العلاقة الأميركية- الإسرائيلية في مسارها الخاطئ القائم على محاباة إسرائيل وكشف المضار المستقبلية لهذا المسار على مستقبل المصالح الأميركية في الشرق الأوسط, إذ قال بكل الصراحة والوضوح: ((إن محاباة الولايات المتحدة لإسرائيل تقوض المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وتزيد من المشاعر المعادية للولايات المتحدة.. وإن الغضب العربي بسبب القضية الفلسطينية وانحياز واشنطن إلى جانب إسرائيل يحد من قوة وعمق الشراكات الأميركية مع الحكومات والشعوب في المنطقة)).‏

في عهد الرئيس السابق جورج بوش وقد اتسم بجنون العظمة وغطرسة القوة وسياسات الكذب والمشاريع المغالية في أهدافها, كان السؤال الكبير المطروح في أروقة السياسة الأميركية وعلى مسامع الأميركيين والعالم هو (لماذا يكرهوننا..؟!).‏

وطوال هذا العهد قدمت إجابات كثيرة بعضها ارتبط بتقصير أميركا في دعم مشاريع التنمية في المجتمعات الكارهة وبعضها الآخر اتصل بالعمل على تحسين صورة أميركا عبر الدعاية والإعلام ووسائل الحوار, لكن كل هذه الاجابات عجزت عن تفسير السبب الحقيقي لهذه الكراهية.‏

ثم في عهد أوباما الذي حمل وعود التغيير في النهج والعلاقات مع العرب والعالم الإسلامي وحل عقدة الصراع التي ارتأى بأنها تساعد كثيرا عبر حل الدولتين على تغيير المناخ الاقليمي المفعم بعدم الود لأميركا, كانت المقاربة للإجابة شبه مقبولة لكنها لم تكتمل وتصبح قادرة على تغيير هذا المناخ لأن علاقات أميركا بإسرائيل لم تتغير, فبقيت على مسارها الخاطئ وبقي الخطاب السياسي الأميركي هو نفسه, يؤكد التزام أميركا بأمن إسرائيل في وقت هي التي تهدد فيه الأمن القومي العربي وأمن إيران والأمن الاقليمي كله, ووصل الالتزام بدعم إسرائيل إلى حد اعتباره ((مصلحة وطنية خاصة للولايات المتحدة)) كما قال جو بايدن نائب الرئيس الأميركي, وفي وقت يفهم فيه هذا الدعم من جانب العرب والمسلمين ودول المنطقة على أنه عامل القوة والتفوق الذي تتكئ إليه إسرائيل في ممارسة تهديدها الدائم للمنطقة وتعنتها المستمر في وجه متطلبات السلام واستحقاقاته وجهوده, هذا عدا المحاباة التي لم تتوقف عنها أميركا لإسرائيل وكل ما تطلبه وترفضه حتى وإن طال رفضها طلباً أميركياً متواضعاً كطلب وقف الاستيطان, إذ سجل الموقف الأميركي حياله تراجعاً متدرجاً من الوقف إلى التجميد فوقفه جزئياً فاعتباره غير معوق للسلام.‏

ولهذه العلاقة التي تغفل المصالح الحقيقية لأميركا في المنطقة وتهدد بتقويضها وتسهم في برودة علاقاتها وتوتيرها مع العرب والمسلمين, تعود الإجابة الكاملة عن أسباب كراهية أميركا وسياستها ودخول مكانتها وهيبتها في مرحلة الضعف والوهن.‏

ودفعاً لمخاطر استمرار علاقة المحاباة والدعم والالتزام غير المبرر على مصالح أميركا ومستقبل علاقاتها وعمق شراكاتها مع حكومات وشعوب المنطقة, نرى فيما قاله بترايوس مدفوعاً بغيرته وحرصه على مصالح بلاده تجرؤاً على ما لم يجرؤ الكثير من الساسة الأميركيين على قوله.‏

وهذه الحقيقة التي كشف عنها بترايوس هي ما تستدعي من كل الأميركيين التوقف عندها ملياً وقراءتها والإفادة منها, لأنها الحقيقة التي بقدر ما تكشف المسار الخاطئ للعلاقة مع إسرائيل, تكشف أسباب الجمود المسيطر على العلاقات الأميركية مع العرب, وتكشف أيضاً أسرار ما وصفه بترايوس ((بالمشاعر المعادية)) لأميركا وسياستها في المنطقة والعالم الإسلامي.‏

ويكفي دليلاً على ذلك أن أميركا تعطي الأفضلية والأرجحية في علاقاتها الدولية لعلاقاتها مع إسرائيل, في وقت باتت تشكل فيه إسرائيل عبئاً ثقيلاً ومكلفاً على مصالح أميركا وسياستها, وفي وقت يشكل فيه العرب ومحيطهم الإقليمي مجالاً رحباً لإقامة علاقات بناءة تنتج مصالح خصبة وراسخة.‏

وإذا أرادت أميركا حماية مصالحها من مخاطر التقويض, وتحسين صورتها في الذهن العربي والإسلامي, وإقامة شراكات معمقة قوية وواسعة مع حكومات المنطقة وشعوبها, يتعين عليها تصحيح المسار الخاطئ لعلاقاتها مع إسرائيل بالكف عن محاباتها وإعادة النظر بسياسة دعمها المطلق وغير المبرر, وإفهامها أن مصالح الشعب الأميركي هي أولاً في هذه العلاقة, وأن استمرار العلاقة معها وفق أطرها الحالية لم يعد مقبولاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية