|
ترجمة المفاجئ بتبني مشروع تشييد 1600 وحدة استيطانية داخل أراضي القدس الشرقية المحتلة خلال زيارة «جو بايدن» نائب الرئيس الأمريكي الأخيرة لتلك المنطقة، يعتبر أكثر الردود ازدراءً بالجانب الأمريكي المتوخي صنع السلام، قد تقع المسؤولية في هذا المجال على رئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الذي لايشاطر أوباما نظرته لهذا الموضوع، علماً أن نتنياهو ادعى جهله بالقرار المؤقت الصادر عن لجنة تخطيط منطقة القدس بهذا الشأن، لكن نشر وزير الداخلية الإسرائيلية لهذا الإعلان أعطاه صفة الموافقة الرسمية، فلو كان نتنياهو صادقاً فيما يدّعي ولا علم له بمضمون القرار المذكور لأصبح بإمكاننا التساؤل لماذا إذاً لم يدل بدلوه حينها ؟ فرغم الإحراجات التي حملها هذا الموقف والأضرار السياسية المرافقة لهذا القرار إلا أن المدعو نتنياهو لم يحرك ساكناً بشأن التنكر لما جاء في نص هذا القرار هذا بينما قامت شخصيات أدنى مرتبة من نتنياهو أسوة بوزير الشؤون الاجتماعية الإسرائيلي «اسحاق هرزوغ» وزميله الناطق باسم حكومة تل أبيب «مارك ريف» انطلاقاً من إحساسهما بالمسؤولية بمهمة التصدي لمكافحة هذا الحريق الذي نشب أعقاب صدور هذا القرار، وعبرت تلك الشخصيات عن أسفها لهذا الموقف قائلة على لسان «اسحاق هرزوغ» علينا التعبير عن اعتذارنا لوقوع هذا الخطأ الفادح والخطير الذي ارتكبته الحكومة الإسرائيلية، لكن لايمكن تصديق الاحتجاجات الساذجة التي عبر عنها كل من وزير الداخلية الإسرائيلي ورئيس حزب شاس المتطرف الشريك في ائتلاف نتنياهو المدعو «ايلي بشاي» المناهض لمحاولات أمريكية هدفها التوصل إلى تسوية سلام تتمحور حول حل الدولتين فلسطينية وإسرائيلية. ويقول «ايلي بشاي» ليس هناك نية مسبقة لاستشارة أي شخص أو إلحاق الضرر بنائب الرئيس الأمريكي، إنها كلمات يراد بها المراوغة والتملص فهل يمكن الاعتقاد بأن «بشاي» على غرار نتنياهو يجهل ما يقدم عليه المسؤولون في وزارته؟ هل يمكن تصديق ذلك ؟ نظراً لكونه رجل سياسة مخضرماً وصاحب خبرة طويلة على هذا الصعيد هل يعقل ألا يتوقع بشاي ورطة ردود الأفعال السياسية المدمرة التي يحملها هذا التصرف الإسرائيلي؟ نستطيع التسليم أن «يشاي» أسوة بـ« نتنياهو» ينظر إلى القدس باعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل يستحيل أن تتجزأ أو يتم تقسيمها . يبدو اليوم أن «يشاي» كان مصمماً على إثارة غضب جو بايدن بخصوص موضوع لا يمكن تحمل عواقبه (أي بناء وحدات استيطانية جديدة في القدس الشرقية) ولا تزال مواقف الولايات المتحدة تتأجج بين الضعف وشدة التهذيب بحيث لم تجرؤ على الاعتراف بما كان ينوي «يشاي» فعله إزاء «جو بايدن» لقد عكف نتنياهو على امتداد العام الماضي على إفشال ما تعهد به أوباما خلال مساعي هذا الأخير للتوسط وإيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإنهاء المواجهة بين العرب وإسرائيل التي أثارت مخاوف المنطقة عبر أجيال، وهاهو نتنياهو يحاول في الوقت المقتطع من مساعيه تغيير لهجة الولايات المتحدة ليتحول خطابها باتجاه إيران التي حسبما أفاد تمثل تهديداً مستمراً لإسرائيل وللمنطقة وترتقي تلك المواقف بمجملها إلى مستوى إنجاز يستحق جائزة الأوسكار ولكن بشكل مشوه ومراوغ وماكر . أما بالنسبة لأوباما تلك الشخصية غير المشاكسة ويشكل تصرف نتنياهو تجاهه إهانة على صعيد الاستهانة بتفكيره وفي الواقع يستند تحمل أوباما لتصرفات نتنياهو على قاعدة اتساع النفوذ الإسرائيلي في واشنطن . وقد يتغير هذا الموقف لاحقاً لأن مشكلات أوباما لا تنحصر في منطقة الشرق الأوسط وإنما تتمحور كذلك في شخصيته المحبوبة لدى الشارع الأمريكي رغم أن ما من أحد يخشاها. فرغم مرور سنة على تسلم أوباما السلطة لم يسجل له أي إنجاز حقيقي على امتداد العام المذكور . ويعتقد الكثيرون في واشنطن أنه يتوجب على الرئيس أوباما إظهار استعداده للمواجهة والتخلي عن أسلوبه الأكاديمي المتحفظ في معالجة الأمور السياسية وأن يعبر عن غضبه وانفعاله بشكل واضح للعيان بشأن الأمور التي يؤمن بها، فرغم أن زيارة «بايدن» توخت المصالحة ونشر الطمأنينة إلا أن تفجير الأوضاع في القدس الشرقية سيمثل نقطة بداية لمقاربة أكثر حزماً، فنائب الرئيس الأمريكي لم يعمد إلى تجنب تعبيره عن الامتعاض الذي شعر به عندما أدرك حجم الإهانة التي وجهت إليه، لذلك قال «بايدن» أنا أشجب قرار حكومة تل أبيب المضي قدماً في مخططات تشييد وحدات استيطانية جديدة في القدس الشرقية، وهذا الإعلان بحد ذاته خطوة تقوض الثقة التي نحتاجها لغاية الآن ويبدو أن إسرائيل لم تدرك ذلك بعد فهي لا يمكن أن تتحمل مواصلة التصرف بطريقة تثير غضب أصدقائها. فسواء كانت إسرائيل وقحة غير آبهة بالقوانين الدولية المتعلقة بحماية أرواح المدنيين كما حدث في غزة أم تعمدت توجيه الإهانات لجيرانها كما فعلت مع تركيا أو عندما عمدت إلى سرقة جوازات سفر وبطاقات شخصية من دول صديقة لها فقامت بطريقة غير قانونية بالتخلص ممن يكنون لها عداوة ما كما حدث في دبي مع تصفيتها للمبحوح، يبدو أن نتنياهو الآن يثير ضد إسرائيل غضب أفضل وأقوى دولة صديقة لها ثانية . |
|