تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ليس صعباً

آراء
الخميس 25-3-2010م
حنان درويش

الأحاديث تقرأ فاتحة اليوم، نتداولها صباحاً مع الذاهبين ومساءً مع العائدين. في البيت .في الشارع. في الحديقة. مع الأصدقاء والزملاء وعابري الحياة. تهب رياح الكلام، فيتقّد المكان برجع الصدى يدمدم:.

« أيها المتوّجون ملوكاً على نواصي الوقت. استمطروا السماء رحمة ورأفة وبوحاً سخيّاً. أدهشوا مفاصل الزمن بحفاوة الكلمات الجميلة التي نتوخى ملاقاة الرجع الذي يمتد من أوّل الحياة إلى آخر الحياة، وما بينهما يختبىء خلف صفصافة ، وجنح يمامة، ونسمة برية أرسلت همسها عطراً يغيب في منافي الروح. يناجي هسيس الحروف الأولى، والنطق الأوّل...‏

« وإن في النطق لسحراً».و المسألة معلّقة على جدار الرهان، تتمثل تضاريس الفضاء، وبيوت البشر، معجونة بآهاتهم، بضحكاتهم، بأصواتهم، ولغوهم، بما يسرّون وما يعلنون. يقلّبون أمرها تباعاً، ويتساءلون:- إلى أي مدى نستطيع التعلّق بوهج الحروف؟؟‏

إلا أن فحوى النجاحات يكمن في فحوى الكلام، نفضي به إلى أحبابنا، فيهمي عليهم مطراً وأوراقاً مطرّزة تفرش الأفياء هنا وهناك. حروف تخرج من أفواهنا، تغادر صمت صدورنا لتجلس بيننا، فنرتاح محاولين إتيان ما تيسّر لنا من أمنيات تلد الآلىء والنجوم والورود وارتعاش الدوالي التي تدلّت بعناقيد بكر، رطّبت الأحوال، وروت ظمأ المساءات الساخنة.‏

نامي يا بساتين الثمار... فهاهو الناطور سهران ينشد الأشعار، ويملي القصيد في احتفال الذكريات. هذه الأرض تضيق به لولا كلام حلو يقول مثل موسيقا بديعة يعمّر بها أبراجاً تنجيه من شرك أكيد، فاختار الدواء غناء يبدّد العتمة... وهل يا زهرة القلب النديّة ينعش فوحك إلا لمسة من يد عاشق، أو همسة من فم مدنف!..‏

ها هي السيرورة تمضي لا شكل فيها للضياء. تأتي باردة بطيئة الخطو، لولا الشمس تلثم خدها برفق. والسطوع يدغدغ لونها السرمدي قبل قدوم الشتاء.‏

هنا.. كلام يداوي..‏

هنا.. كلام يجرح..‏

وإن الذين استفاقت صباحاتهم على ألفاظ نابية يهدونها إلى سواهم على طبق من القسوة أثناء التعامل اليومي، لهم الخاسرون، النادمون، حيث لا ينفع الندم، وحجتهم أنهم لا يقدرون على اللين، أو الإتيان بما يرطب الخاطر.‏

ليس صعباً أن نعبر المتاهات على جسر من الحوارات الهادئة الرزينة التي تصل القلوب ببعضها، و تودعها بيدراً من الانسجام، ينعش الحدائق بباقات الحبق.‏

ليس صعباً أن نقوى على أنفسنا، و نبعد عنها ركامات الكراهية و الحسد و النميمة، لنغرس بدلاً منها أشجاراً سامقة من الحب و الدفء و التواصل الإنساني الجميل.‏

ليس صعباً أن نتبادل احترام الرأي.. فلا أستخف بما لديك، ولا تستخف بما لدي. لا ألغي ما عندك، ولا تلغي ما عندي.. عسانا.. نوفق إلى مصالحة فكرية مقبولة، و حالة من الحميمية الراقية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية