تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عندما تصير الأم قصيدة.. صورة.. لحناً

ثقافة
الجمعة 19-3-2010م
وصال محمد سلوم

لم تكن الأم يوماً اختصاراً لحالة وجدانية أو تصوراً عفوياً عن مكنونات الذات الفردية، الأم أشبه بحالة خلق ولحظة ولادة.

الأم حالة عامة وفصل خامس من فصول الروزنامة إنها معنى يشمل الحب والحياة والولادة.‏

لم تكن الأم يوماً اختصاراً..‏

أو نغماً فردياً لأننا لو قرأنا الأم شعراً أو سمعناها لحناً في أي قصيدة لشاهد كل قارئ منا وكل مستمع صورة أمه وشعرها المسدول ولمس في كلمات غيره جبين وحبل غسيل أمه لأن الأم أشمل وأعمق تعالوا نغنيها بقصيدة:‏

سليمان العيسى: يارفة الشعاع‏

من منا لا يحفظ عن ظهر قلب، ماما ماما ياأنغاما، تملأ قلبي بندى الحب.‏

من منا لم يحفظ أمه شعراً منذ سنواته الأولى لأنه سمعها مغناة بقصيدة لسليمان العيسى سمعها من أطفال الحي، وإخوته وحتى في دندنة أمه، سليمان العيسى: هذا الطفل الشيخ أخبرني أنه متعب ولا يستطع الشرح والاستفاضة في الكلام وحين أغريته بعنوان المقال قال:‏

لو كنت يوماً شاعراً‏

أبدعت أجمل ما تغني‏

عصفورة في مثل سني‏

وحملت أغنيتي لأمي‏

أحلى أناشيد الهوى قبلات أمي‏

وقال: أمي تجدينها بين طيات كتبي وبين أبيات شعري.‏

بين كل كلمة وكلمة كانت أمي وخصصتها بأكثر من عنوان لقصيدة فكانت (ماما ماما يا أنغاما) النشيد الذي أصبح أغنية الأجيال وصار الأطفال يختموه دائماً ب سليمان العيسى وكم أسعدني غناؤهم لي.‏

أيضاً قصيدة (ياقلب أمي) القصيدة التي لحنت وغنت كثيراً في حلب.‏

يا رفة الشعاع وهو يلثم الزهر‏

يا وشوشات النهر يسقي العشب والشجر‏

يا بسمة الإله‏

يا رحمة الحياة يا قلب أمي أنت يا من تسع البشر‏

لم تكن أمي متعلمة بل كانت امرأة ريفية بامتياز لم تكن تقرأ أو تكتب كانت تحطب وتطهو على التنور وتطير فرحاً بنا وهي تشاهدنا نتعلم أو تسمعنا ننشد مع والدي الأشعار والمعلقات ونحفظ في مكتبه (القرآن الكريم) كانت امرأة جميلة بجمال وكبر قلبها..‏

حلوة الطلعة كانت‏

تغمر الضيعة حباً‏

لم تكن تقرأ أو تكتب‏

كان العلم صعباً عوضتنا عنه قلباً‏

يسع الدنيا محبا‏

أيضاً في مسرحية الحلم العظيم القطار الأخضر حملتها في قلب «نزار» بطل قطار الوحدة العربية الذي سافر مع أطفال من كل البلدان العربية، وحينما وصل تونس الخضراء استذكر والدته برسالة وكأنها الحلم الذي يحلم فكبرت لتصير الوطن أو أن الوطن اختصر لفظاً فكان الأم..‏

أمشي على الشط الجميل‏

ويملأ الأطفال دربي‏

فكأنما وطن العروبة‏

صار يا أماه قلبي‏

لقطة كاميرا مع عبد اللطيف عبد الحميد‏

دائماً هي الأم مصدر الالهام الأول ومنبع الثقافة الأول فهي التي تخلق فينا ومنذ الصغر فنون الحب والجمال وتجعلنا جاهزين لمستقبل نصنعه نحن وبتوجيه أنثوي منها علها تكون يوماً في المستقبل القريب لأعمارنا أماً لقامة كبيرة ومبدع ناجح.‏

الأستاذ عبد اللطيف عبد الحميد عندما سألته كم شعرت والدتك بالفخر وهي تشاهد نجاحك سينمائياً صوتاً وصورة.‏

قال: لقد توفيت والدتي قبل عرض أول أفلامي /ابن آوى/.‏

ولم تشاهد هي ووالدي نجاحاتي أخذهم الموت مني.. منا.. أنا..وإخوتي.‏

أمي.. التي أخطأت حينما اعتبرتها أحجية وبقيت سبعة وثلاثين عاماً وأنا أسأل نفسي: هل تحبني أمي؟‏

أمي تلك المرأة الريفية القاسية التي لم تعتد على البوح بمشاعرها والصارمة أبداً.‏

أمي التي قررت يوماً الاجهاض بي الأمر الذي ولد عندي شعوراً بالحزن منها زعلت منها لذلك ربما لم أرضع صدرها لم التصق بجسدها لم أشعر وأنا طفل بحنانها.‏

أمي التي كانت تقرأني من عيوني وتكشف صدقي، كذبي، جنوني.‏

ربما لم أجد الدفء عندها لكنها علمتني أنه عليّ البحث بل وخلق الدفء الذي أنشد.‏

علمتني كثيراً صرامتها.. قوتها وجعلتني أعمل دائماً من أجل التميز في كل شيء علمتني أن أكون صادقاً مع نفسي قبل الآخرين.‏

لكن!! ليلة وفاتها خجلت كثيراً من نفسي وحزنت أكثر لعدم إدراكي وشعوري بمقدار حبها لي أمي المريضة -كثيراً- بداء السكري والتي فقدت نعمة البصر تدخل إثر نوبة مرضية في غيبوبة ولا أعلم بذلك إلا حين وصولي من غربة، لأفاجأ بها على سرير المرض في مشفى يسع مرضها وحزني عليها، كانت هي مغمضة العينين وأختي إلى جانبها تنادي حين دخولي (أهلاً عبد اللطيف) حينها ربما شعرت أمي بنفسي في الغرفة فاستيقظت لتقول: عبد اللطيف.‏

إذاً كم كانت تحبني أمي وكم زعلت من نفسي وتقزمت قامتي أمام موقفها ووفاتها.‏

خجلت كثيراً من حنانها المكنوز في أضلاع صدرها.‏

تخيلوا اختصرت كل الأجوبة التي كنت أبحث عنها وأراهن وأسأل نفسي بها سبعة وثلاثين عاماً لم أدرك مقدار حبها إلا يوم وفاتها.‏

أحبك كثيراً أمي وليتك أطلت مكوثك معنا لتشاهدي نجاحي حتى لو فيلماً من أفلامي، توفيت أمي وأنا أعمل أول أفلامي إلى روحك حيث أنت ألف تحية وعيدية.‏

هكذا هي الأم عند الجميع الشاعر، والفنان والطبيب حتى صانع الحلوى هي قطعة سكر وأجمل أجمل من أن تختصر وتختزل وأنا وبنرجسية أم أقول أحسد أم كل مبدع وأشتهي بل وأطلب من السماء أن أكون يوماً ما مثلهم أماً فخورة بإبداع ابنها حتى ولو كنت عجوزاً هرمة فنجاح ولدي سيجعل مني صبية وقامتي ليست بمحنية.‏

وإليك يا أمي ألف تحية وإلى كل أم قرأت بين سطوري شعور الأم أو الابنة ألف ألف عيد مبارك ودعوني ليلة الأم هذه أن استثني جدتي الريفية بامتياز والأم الجميلة بامتياز.‏

كل عام وجميع الأمهات بألف خير.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية