تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المفاوضات غير المباشرة..نفخ في قربة مثقوبة

شؤون سياسية
الأحد 30-5-2010م
د. جهاد طاهر بكفلوني

واهم بل غارق إلى أعمق الغرق ذلك الذي يظن أن البحث عن الحقيقة أو عن أجزاء منها يمكن أن يبدأ من التصريحات المتناقضة بين سياسة الكيان الصهيوني، وهو إذا فعل ذلك عد في زمرة أولئك المؤمنين بولوج الجمل سم الخياط .

تبدأ الحكاية من اليوم الذي قام فيه الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية عام 1948، ففي ذلك اليوم رأت الحقيقة أن مصرعها يكمن بين شدقي كل سياسي صهيوني يتحدث عن إمكانية قيام تعايش سلمي بين هذا الكيان الغاصب وجيرانه العرب، وراحت الحقيقة تنظر والدهشة تحفر أخاديدها العميقة في وجهها وهي تسمع أقطاب الصهاينة يتحدثون عن ولادة سلام وشيك بين (إسرائيل) والدول العربية .‏

كانت الحقيقة تعرف أنهم متورطون في الكذب ، الذي جبلوا عليه، ولم تحتج للانتظار أمداً طويلاً لأنهم سرعان ما قدموا لها آلاف البراهين على جبلتهم العنصرية العدوانية بمناسبة ودون مناسبة، ولم تكن تطلب منهم تقديم تلك البراهين، لأن يقينها راسخ بأنهم لن يحولوا عن ذلك الطبع العدواني المتعطش للتدمير والقتل والاعتداء على حقوق الآخرين، قام كيانهم على القتل والعدوان، وهم ليسوا على استعداد لإعادة النظر في سلوكهم الذي أدمنوه منذ قيام ذلك الكيان .‏

حملت الحقيقة متاعها وقررت ألا تقترب من أولئك الذين ناصبوها كما ناصبوا البشرية جمعاء العداء المطلق.‏

واليوم تجد الحقيقة نفسها مضطرة مرة أخرى لتكذيب الساسة الصهاينة وهم يطلقون التصريحات الكاذبة الجوفاء، وهم يزعمون أنهم لا يعارضون منح جزء ضئيل من الأرض يكون مكاناً لإقامة الدولة الفلسطينية، التي ستكون فتات دولة لا دولة وفق ما يخططون ويرسمون .‏

فها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو)، يخرج على الملأ مصرحاً بأن مفاوضات التقارب مع السلطة الفلسطينية لم تبدأ حتى الآن، وذلك من خلال قوله إن المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل لم يبدأ بعد وساطته بين الجانبين، أما وزير الخارجية الإسرائيلي ( أفيغدور ليبرمان) فلا يجد وسيلة لمنافسة معلمه ( نتنياهو) كذباً وادعاء إلا برمي الفلسطينيين بتهمة السعي إلى إفشال المفاوضات.‏

ونقلت صحيفة «هآرتس» عن ( نتنياهو) قوله خلال اجتماع وزراء حزب الليكود إن التقارير غير صحيحة، في إشارة إلى تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» حول اقتراح الرئيس الفلسطيني محمود عباس تنفيذ تبادل أراضٍ بنسبة 3.8 في المئة من مساحة الضفة الغربية .‏

وأوضح ( نتنياهو) أن «الجانب الفلسطيني ينقل رسائله إلى المبعوث الأمريكي (جورج ميتشل)، لكن الأخير لم يبلغ (إسرائيل) بعد بوجود أي اقتراح من هذا النوع ».‏

وحاول ذهن وزير الخارجية الإسرائيلي (افيغدور ليبرمان) قدح فكرة جديدة يدخل بها نادي المبتكرين في موضوع المفاوضات الماراتونية مع الفلسطينيين، وقد قام بالمحاولة ، خلال مأدبة غداء مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي، فلم يجد اكتشافاً أفضل من القول: إن الشعور في ( إسرائيل) هو أن الفلسطينيين لا يأتون إلى المفاوضات غير المباشرة «بأيد نظيفة».‏

أما أيادي الساسة الإسرائيليين فقد عداها الذم في نظره، فهي غير ملطخة بدماء أبنائنا من الشعب العربي الفلسطيني، وماذا يقول (ليبرمان) عن تلك التقارير التي تفضح ما قامت به (إسرائيل) خلال العدوان على غزة نهاية عام 2008 من استخدام الفوسفور الأبيض، وقتل المدنيين بالدم البارد والحر وكل وسائل القتل ؟‏

وقبل ذلك جربت الأسلحة المحرمة دولياً في عدوانها على لبنان الشقيق في تموز من عام 2006؟!‏

يبدو أن هذه التقارير ليست نظيفة في نظره، بينما هو وأمثاله من مجرمي الحروب الصهاينة يتعثرون بأذيال النظافة والتعقيم!!.‏

لن يقدم الكيان الصهيوني شيئاً من خلال هذه المفاوضات، وكل ما يستطيع فعله هو قيام رئيس وزرائه أو وزير حربه أو وزير خارجيته بفتح الذراعين ترحيباً بقدوم ( ميتشل) الذي سيجد نفسه مضطراً للقيام بجولات مكوكية، سيعود بعدها إلى بلاده خالي الوفاض إلا من وعود إسرائيلية تنبع من الكذب وتصب في بحره الواسع .‏

الفلسطينيون يعرفون أن تلك المفاوضات نفخ في قربة مثقوبة، ولن ينتظروا الوعود الإسرائيلية التي لن تأتي لهم بشيء ذي بال، ويعلمون أن عليهم اقتلاع الشوك بأيديهم ولو كلفهم ذلك دماً متدفقاً يسيل من الأصابع، لكن هذا الدم سيكون المنارة التي تضيء لهم طريق الحرية التي ستأتي يوماً ما.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية