|
عن horizons et debats ورغم أن الأسباب والنتائج ليست واضحة تماماً ورغم أننا لا نستطيع بعد التنبؤ وبثقة بما يخبئه المستقبل فإنه من الأفضل وضع تحليل حول أزمة اليورو لاستخلاص الدروس والعبر منها. والمشكلة يجب أن ينظر إليها من كافة الجهات، مع الأخذ بالاعتبار أن الأفراد هم غالباً من يدفع ثمن مثل تلك الأزمات، ولذلك فالسؤال الذي يطرح في هذا المقام هو : أين هي المصلحة العامة ؟ وهل المصلحة الفردية تتعارض مع المصلحة العامة؟ وعموماً يمكن أن نقول إن أسباب الأزمة هي: 1- طبيعة النظام الاقتصادي الأوروبي بشكل عام.. ويتركز نشاطه داخل نطاق الاتحاد الأوروبي وفق آليات وبرامج تعتمد على أسواق ضخمة تقوم فيها منافسة مفتوحة.. لكن أحياناً تنتقل رؤوس الأموال للخارج.. إضافة إلى أن هذا النظام الاقتصادي الذي يعتمد على الربح أولاً وليس تقديم المنفعة يفقد كل الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية.. وبالتالي ليست له استمرارية حقيقية، الخبير الاقتصادي «البروفسور «البيرت شنايدر» حذر ومنذ عدة سنوات من انتقال رؤوس الأموال للخارج ويرى أن لهذا الانتقال نتائجه الكارثية والمدمرة على الجميع . 2- تراكم كبير للديون وفوائدها في ميزانيات كل البلاد الأوروبية تقريباً.. ما يجعلها تابعة ، بل وخاضعة لسياسات القوى المالية الكبرى وصندوق النقد الدولي نتيجة ثقل هذه الديون، ولذلك فقرارات هذه الدول ومواقفها صارت لا تنبع من أسس وثوابت قياداتها ، بل هي تنفذ وبدقة ما يمليه عليها صندوق النقد والبنك الدولي، ومن هنا ندرك أن من يحكم العالم اليوم هي القوى المالية الكبرى وليس ساسة الدول. 3- استفحال ظاهرة الفساد وتفشيها بقوة في جميع مفاصل الاتحاد الأوروبي، فالإنسان عبد للمال.. يسيل لعابه أمامه فإن كان غير نزيه فإنه يبيع قراره ومنفعة مجتمعه مقابل حفنة صغيرة منه . 4- التطبيق المتسرع للعملة الأوروبية الموحدة ( اليورو) وهو الذي لا يملك قوة سياسة واقتصادية . 5- غياب مبدأ التضامن ومساعدة المتضررين من الأزمات على اختلاف أنواعها عبر اقرار نظام تعويضات مثلاً، وبدلاً من ذلك تعلو الشعارات الطنانة الرنانة التي تنادي بالعدالة وضمان حقوق الجميع ظاهراً ، لكنها باطناً تخفي خلفها الوجه الحقيقي لأصحابها وخداعهم ولهاثهم وراء الربح على حساب مصالح الشعوب في عملية نصب واحتيال قانونيين. إذاً إن حل كل المشكلات السابقة لا يكون إلا بالعودة على جذورها وأسبابها وبحث كل مشكلة على حدة وهذا يتطلب منا أن: - نفكر بجدية بالكيفية التي يمكننا بواسطتها وضع حد للدين العام لأن كلما زاد الدين ازدادت تبعية الدول ومجاراتها للقوى الدائنة. لقد سعت بعض الدول إلى أن تخفف من الآثار المترتبة على ثقل الديون عبر رصد مردود بند ضريبي تفرضه على مواطنيها. - نتذكر المبدأ الأساسي في الاقتصاد والذي كان يعمل به في المجتمعات الأولى ، ألا وهو الاقتصاد والتوفير في أيام الرخاء لنتجاوز وبنجاح ويسر أيام العسر لكن سياساتنا الآن هي على عكس ما يجب أن تكون. - تراجع النظام الاقتصادي المطبق في العالم الغربي وخاصة فيما يتعلق منه بالفائدة، والقروض والتسهيلات الخادعة الممنوحة للسداد والتي تتحول عند الأزمات إلى حبل يلتف حول عنق المدينين. في سياق الأربعين عاماً الماضية سددت ألمانيا الكثير من الديون والفوائد المتراكمة عليها ما رتب ديوناً جديدة مقابل دفع السابقة ويسهم المواطن الألماني في هذا الأمر عبر ضرائب ضخمة والمستفيد رقم واحد دائماً هم الحمولون الدائنون . - نفيد النظر بسعر فوائد بعض أنواع القروض مثل تلك المستخدمة في تمويل المشاريع الصناعية وهي فوائد ربما كانت مرتفعة نسبياً في ظل ارتفاع قيمة الدين العام، لذلك يجب أن تحل مشكلة الديون اولاً وبسرعة، فبوجودها ستبقى الدولة والأفراد يتنفسون بثقل نتيجة كابوس اسمه الدين والفوائد. فإذا قمنا بكل ما سبق وأعدنا حساباتنا من جديد.. فهل الحل إذاً هو إلغاء النظام الاقتصادي والمصرفي والمالي المعمول به حالياً كونه سبب هذه الأزمة ؟ لأنه وباختصار في ظل هذه السياسة كل النشاطات تصب فوائدها في مصلحة الممولين والدائنين وإذا تم إلغاؤه فما هو البديل؟ هل هو نظام آخر يعتمد على فوائد متوسطة تناسب كل الأطراف؟ ربما عندها المستثمرون سيكونون أكثر استعداداً لوضع أموالهم في مشاريع اقتصادية واجتماعية يعود نفعها على الجميع، لا كما عليه الحال الآن حيث أغلب الأعمال والنشاطات المالية تعتمد على نظام القروض والفوائد والربح دون وجود مشاريع فعلية حقيقية ذات نفع عام . ربما كان هذا الحل هو الأفضل لأن وضع الرساميل الضخمة في مشاريع اقتصادية سيحتاج لوجود شركات وتعاونيات تتكامل الأدوار فيها من تمويل إلى إدارة إلى خبرة .. وهكذا نقدم منتجاً جديداً أو خدمة جيدة وبذلك كل يقدم ما عنده فيفيد ويستفيد بعيداً عن مبدأ العمل بالقروض والفوائد حيث لا مستفيد إلا صاحب المال. لذلك من المفيد أن نقول إنه على دول الاتحاد الأوروبي أن تفكر بالدروس المستخلصة من هذه الأزمة وذلك لاتخاذ قرار سريع وجريء يتطلب تغييرات جوهرية.. وربما كان الأهم من ذلك إعداد أرضية مناسبة وخصبة تنمو فيها الأفكار الجديدة أولاً، مع الأخذ بالاعتبار أن هذه الحلول هي حقيقية صادقة وليست مزيفة تعتمد على تغير المسيمات فقط. |
|