تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لماذا لا يريد الإسرائيلي التعرف على الواقع الفلسطيني ؟

عن مجلة بوليتس
ترجمة
الأحد 30-5-2010م
ترجمة: دلال ابراهيم

يولي الإسرائيليون اهتمامهم بجميع المواضيع المحظور اطلاعهم عليها، سوى موضوع القمع الذي يتعرض له الفلسطينيون لا يعيرونه أي اهتمام، رغم أنهم يعيشون على بعد بضعة كيلو مترات منهم.

وفي هذا المقال، الذي نشرته صحيفة هآرتس يكتب الشاعر الإسرائيلي اسحق لاور عن هذا الواقع.‏

ينشغف الإسرائيليون بهتك الأسرار العسكرية. ولذلك تسجل الكتب التي ألفها عسكريون سابقون أو جواسيس أو مسؤولون في أجهزة الاستخبارات الداخلية (الشاباك) أو الخارجية ( الموساد) في رأس قائمة أفضل مبيعات الكتب عندهم. هي ثقافة بنيت حسب مبدأ (كل ممنوع مرغوب) أي كل ماهو ممنوع الحديث عنه، ينبغي معرفته بأي ثمن كان. ولكن ثمة أمراً لا يريد الإسرائيليون (أو على الأقل الغالبية منهم) معرفته ولا علاقة له بالأسرار العسكرية. فقد أشار استطلاع للرأي أجراه مؤخراً مركز تامي شتاينمتس لأبحاث السلام إلى أن الإسرائيليين لا يريدون معرفة شيء عن القمع الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني . وهنا فإن الموضوع لايتعلق بأسرار عسكرية مخبأة، وإنما هو النفي والتنكر للآخر .‏

ولم يكن، حتماً، من الضروري إجراء مثل هذا الاستطلاع، بل يكفي إلقاء نظرة على الأخبار التي تبثها قناة تلفزيونية خاصة لندرك أن ما يجري في الأراضي الفلسطينية ليس مرغوباً به.‏

فالمواطنون الإسرائيليون لا يريدون أن يعرفوا شيئاً ،لعلمهم جيداً أن ثمة أموراً غير مكشوفة أمامهم ( وإلا كانوا لن يرفضوا معرفتها)، بل لأن الجيش الإسرائيلي يعتبر المصدر الشرعي الوحيد لكافة المعلومات المتعلقة بالأراضي الفلسطينية. وهي معلومات يعمد الجيش إلى الكذب بها، أو إلى التخفيف من وحشيتها.وضمن هذا السياق تستخدم هذه القنوات ومصادر معلوماتها مفردات خاصة في ذكر خبر على غرار، مثلاً: التعرض لمظاهرة فلسطينية سلمية بإطلاق الرصاص عليها، تكون العبارات ملطفة كثيراً ومواربة. ولا يضطرون إلى إعطاء تفسير لها سوى في حال نشرت منظمات غير حكومية ، على غرار منظمة بتسليم صور يظهر فيها، على سبيل المثال، المستوطنون وهم يطلقون النار على المتظاهرين الفلسطينيين على مرأى من قوات الجيش دون أن يحركوا ساكناً. تلك الأنواع من المعلومات التي لا يريد الإسرائيليون معرفتها .‏

وهكذا تصبح الأراضي الفلسطينية والفلسطينيون بعيدين عنا. والمسؤول عن هذه الهلوسة هو جدار الفصل والطرقات المخصصة لليهود والجيش وكذلك البرامج الإخبارية المتلفزة. في الضفة الغربية ، القريبة منا، حتى الآن، يعيش المستوطنون في ظهرانينا، نراهم كل الأيام، وتطل علينا منازلهم ، ينخرطون في صفوف الجيش، بل هم الجيش، وينتصب الجدار الفاصل ليفصل بين أولئك الذين يعيشون بيننا، ويتمتعون بحق التصويت والحق بامتلاك السلاح وحقهم بتخصيص الدولة إعانات مالية لهم، وبين أولئك الذين يفصلنا عنهم نفس المسافة، ولكن يبقون على مسافة بعيدة عنا، في الجانب الآخر من الجدار، أو خلف حواجز وأسلاك، هذا الفصل الذي يتغذى من رفضنا أن نعرف، ومن إنكارنا للآخر .‏

وتتعرض المنظمات غير الحكومية، التي تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان إلى مضايقات وتنكيلات، وكله يجري تحت اسم رفضنا أن نعرف. يمنعون عنا تكوين رأينا الشخصي عن الوقائع والأحداث وأمكنتها، وأن يكون لنا رؤيتنا الخاصة وخياراتنا بمطلق حريتنا، يتوخون في جميع الأمور المشاركة في صياغة الوعي لدى الإسرائيلي- والذي لا يدوم إلا خمس دقائق- عن هذا الواقع الغريب الذي يمثل السنوات الثلاث والأربعين من تاريخ ديكتاتوريتنا العسكرية التي نمارسها على شعب آخر، وتتعارض الحجج الأمنية لدينا مع حجة متعارضة كلياً والتي تقول إن انعدام الأمن لدينا ناجم عن سلب حقوق الفلسطينيين وعن تحكمنا وسرقتنا لثرواتهم الطبيعية والحواجز التي لا حصر لها التي نفرضها على حياتهم اليومية. ولكن هذه الحجة الأخيرة لا ترقى إلى مستوى الإدراك الإسرائيلي، القائل « نحن هنا، وهم ليسوا هنا» .‏

وعندما طلب المدير المسؤول عن مدرسة ايروني في تلك أبيب اصطحاب مدرسيها من أجل رؤية الحواجز الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية كان ينفذ أوامر من هم أعلى منه. وهو تجسيد صادق لمقولة كارل ماركس: « إن الأمة التي تستحق أمة أخرى تصنع بيدها قيودها» ولن نكون بوضع أحسن لوصف واقع تاريخنا الحالي .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية