|
ثقافة على الأقل في اتجاه الفنانين العارضين وهم (تاج السرحسن وعصام عبد الفتاح ومنير الشعراني ووسام شوكت) لإحياء روح الخط العربي في بعض إيقاعاته وتجلياته، والعمل بمزيد من التفاني والدقة والصبر الطويل، وكتابة الجمل بخطوط يابسة ولينة، بحيث يتداخل كل حرف في الكلمة بحرف آخر، وكل كلمة بأخرى تسبقها أو تليها.
فالمعرض الذي ترافق بإقامة ندوة حوارية ينطلق من منطلق إعادة الاعتبار للمفردات الكتابية التشكيلية في نزعتها الإحيائية النفسية والمتجددة. هندسة و انسياب فالسمات البارزة في هذا المعرض تتجلى في عودة الفنانين المشاركين إلى استعادة جوانب من تراثهم الحضاري، وهذه الاستعادة تتم عبر حركتين: حركة الكتابة الهندسية ودلالاتها، وحركة الكتابة الانسيابية وجمالياتها. ويمكن اعتبار معرض «إبداعات خطية» من الخطوات الثقافية التي تتحقق بفعل الجهود والمبادرات الفردية، وتسبق عادة ما يسمى التبادل الثقافي بين عدة بلدان، حيث جمع هذا المعرض لوحات لأربعة فنانين عرب، ينتمون على التوالي إلى السودان ومصر وسورية والعراق.
والمعرض يعطي صورة مغايرة للأعمال التشكيلية الحروفية، التي تنتمي إلى تجارب مرحلة الحداثة وما بعدها، ولاسيما الآتية من محاولات استعراض معطيات الفنون التجريدية الأوروبية وتطعيمها ببعض الحروف والكلمات والجمل العربية وبصياغة عفوية وتلقائية وعبثية أحياناً. فالفنانون العارضون هنا على عكس الكثير من الفنانين الحروفيين العرب المعاصرين يبنون لوحاتهم بعقلانية مركزه، تحافظ على إيقاعات التشكيل الحروفي الدقيق، المتصاعد من وتيرة البحث عن حساسية القواعد الاتباعية للخط العربي وجمالياته وأصالته المتوارثة منذ قرون.
ولهذا يثير الفنان منير الشعراني في كلمته المنشورة في دليل المعرض الأسئلة الصعبة حيال الاتجاهات المعاصرة في التشكيل الحروفي، ويدعونا إلى إعادة اكتشاف حقائق التجليات التي تقوم عليها الأسس الجمالية للخط العربي، متوقفاً عند بعض التفاصيل، ومؤكداً أن الوافد لعب دوراً في إعاقة مسيرة فن الخط العربي نحو الحداثة. بالطبع مسار اللوحة الحروفية العربية لا يزال يعاني من أزمات تعبيرية حادة، ولا يزال بحاجة إلى مزيد من التعمق والاجتهاد لبلورة اتجاهاته وتياراته التي تتطلع نحو عصرنة التراث. وهنا تكمن أهمية معرض «إبداعات خطية» لأنه يبرز كردة فعل إيجابية ضد محاولات الاستلاب والتشويه التي أصابت هذا الفن خلال الخمسين سنة الماضية، تحت شعار الأصالة والحداثة وتيار البعد الواحد وما شابه ذلك. ارتكاز و اختلاف فهذا المعرض يكشف لنا بوضوح نقاط الارتكاز والاختلاف مع التشكيل التجريدي الأوروبي المعاصر، فالخط العربي كما يتعامل معه الفنان هنا يمتلك قدرة لامتناهية على التجدد الدائم المرتبط بالينابيع الشرقية، ويحقق النواحي الأسلوبية الخاصة بكل فنان على حدة، بدلاً من الارتباط بالحرف العربي من منطلق الحداثة التي أطلقتها اللوحة الأوروبية، حيث أخذت اللوحة الحروفية بالظهور والتصاعد منذ سنوات الخمسينيات والستينيات دون القدرة على إيجاد مظاهر الاختلاف في النهج والمعطيات بين اللوحة العربية واللوحة الأوروبية. |
|