|
ثقافة
«نبقى عاجزين، وتبقى إمكانياتنا قاصرة عن استيعاب تفاصيل كلّ الدقائق التي شهدناها في حرب تشرين التحريرية.. كُتبٌ كثيرة صدرت حولها، غير أنها جميعها ورغم ما احتوت من مضامينٍ رائعة ولوحات خالدة، لا تمثّل سوى صورة مصغّرة عما قدمه وأبداه مقاتلنا، من ضروب البطولة والتضحية. كانوا ومازالوا يريدون انتزاع التاريخ كلّه. لكن، من يريدون انتزاعه أو إيقافه أو تبدّده، ليسوا بأوهامهم وتفكيرهم أكثر من هؤلاء الذين يتصوَّرون أنهم يستطيعون الدخول من خرمِ إبرة..». هذا ما تناوله «الشمعة» في كتابٍ، لابدَّ لمن يقرأ تفاصيل حرب تشرين فيه، من أن يشعر بما يشعر به قارئ «المرصد». الرواية التي ومثلما كانت دقات قلوبنا تتسارع فيها مع نبضات قلم الأديب «حنا مينه» كانت أيضاً تتسارع مع ساعة بطله، القائد الذي جمع المقاتلين السوريين، وأنبأهم بأوان لحظة الهجوم التي جعلته: «يحدِّق في ساعته، وقد حبسَ أنفاسه.. توسَّعت حدقتاه، وتوسَّعت معهما رقعة الساعة. تقارب العقربان. إنها الثانية ظهر السادس من تشرين. دقَّت ساعة الحرب، فتعانق القائد مع الجنود وهتفوا: يحيا الوطن. انتقلوا في الزمن من مرحلةٍ إلى أخرى. انتصبت قاماتهم وقال القائد: «أيها الأخوة. ها هي الساعة التي كنا ننتظر».. إنها الساعة التي انتظرها قادة ومقاتلي حرب تشرين التحريرية، ومن أجلِ بدءِ الحرب على عدو وطننا وأرضنا السورية.. الساعة التي بشّرت بانبلاجِ النور الذي كان أبطال «المرصد» قد أبصروه، بعد أن كسروا شوكة العدو وغطرسته، وجعلوا التاريخ يشهد حتى على يمينِ أدبائنا ممن كتبوه: «سنظلُّ نحارب إسرائيل، حتى نردُّ كيدها على نحرها، ولا يهمُّ كم ستطول الحرب بيننا. النساءُ تحمل وتلدُ، وكلّ جيلٍ سيطالبُ بالحقِّ ويحارب لأجله، ولن ندع اسرائيل شوكة بيننا، سنقهرها ولو بعد مئةِ، بل ألف سنة». هذا ماأقسم عليه «مينة» مثلما أدباء كُثر ومنهم «قمر كيلاني». الروائية التي خصَّصت روايتيها «الدوامة» و»حب وحرب» للبحثِ عن الحبِّ في ظلِّ حربٍ، أرادتها تحمل نسائم النصر السوري المدوّي.. تحمل الأمل الذي عشقته فاستبصرته، وعبر علاقة حبٍّ كان الوطن هو العاشق فيها، والحياة هي العروس التي حدَّثته: «أحدثك عن العرس ياسلمى وتحدثينني عن الوطن».. «الوطن هو العرس ياأحمد، والعرس هو عرس الوطن».. «أرسم لك المستقبل فتسردين لي قصصاً مما مضى».. «من غير ماض لن يكون هناك مستقبل». هكذا حدَّثت «كيلاني» الوطن مواجهة أعداؤه برصاصِ الكلمات، ليكون للطبيب والروائي «عبد السلام العجيلي» حديث آخر وبلسانِ «أزاهير تشرين المدمّاة.. لاشك أنه حديث الأدب الذي يؤرّخ لحظات الحرب ومافيها من صورِ المآسي والآلام.. يؤرّخها كما الدكتورة نجاح العطار» في قصصها المشتركة مع الأديب «حنا مينة» «من يذكر تلك الأيام»؟. نعم، هو حديث الأدب ولكنه الحديث الناري. ذاك الذي تحدّثت به أيضاً الأديبة «كوليت خوري». تحدثت به عبر روايتها «دعوة إلى القنيطرة» و»سنوات الحب والحرب» الكتاب الذي ضمّنته الكثير من قصصها ومقالاتها. نختم بما نختاره من «معارك خالدة في تاريخ الجيش العربي السوري». كتاب «هاني الشمعة» الذي بدأنا بالحديث عما تناوله بعد أن قدّمه: «للتاريخ، للأجيال، للمستقبل، نقدم لمحات نقلها عسكري كبير شارك في الحرب، ومن أجل أن تبقى ملاحم جيشنا تَقهَرْ «الجيش الذي لا يُقهر» وهو ما أطلقهُ على نفسه العدو الإسرائيلي».. من أجلِ أن نبقى، نذكِّر التاريخ الأبقى: «كيف كان العدو الإسرائيلي يولي الأدبار، وكيف كان الطيار الإسرائيلي يقفز من طيارته قبل الوصول إلى هدفه.. كيف زحفت جحافل الأبطال من جنود سورية العربية لتسترد هضبة الجولان المحتلة، وتجتاح تحصينات العدو وقواته التي كانت تظنَّ بأنها تقوم بنزهةٍ ستحصدُ فيها الانتصارَ وفرحه.. حتماً هي البدايات.. فهناك المزيد من المعارك، وهناك المزيد من بطولات هذا الجيش الذي أتصوّر بأنني أنظر إلى وجه كلّ مقاتل من مقاتليه، فألمح فيه العزم والتصميم والإيمان، وعهدٌ مني أن أواصل الجهود حتى تتَّضح الصورة كاملة».. |
|