|
ثقافة
بالتأكيد فعل ذلك توجسنا من الامر لكن فترة مكوث من نزل منها, لم تطل فورا غادروا.. كانت الطمأنينة تدب في القلوب.. قرع الجرس وانتظمت الصفوف خرج المعلمون جميعهم على غير العادة.. وقف أكثرهم طولا وهيبة.. انتبهوا الي جيدا.. الان ستدخلون الصفوف كل واحد منكم يحمل كتبه ويذهب إلى البيت.. لا تتأخروا على الطريق.. سوف تساعدون اهلكم في قطاف الزيتون والزرع ولا تعودوا حتى نطلب منكم ذلك.. انصراف.. يا لها من فرحة أن نأخذ عطلة في بداية العام الدراسي.. لكنها لم تمكث في القلب الا قليلا.. كان رجال القرية يتحلقون حول المذياع بمنطقة تسمى (بيدر العين).. همس ووشوشات غموض يلف ما يجري.. تنصتنا قليلا لكن دون جدوى.. ظل الرجال متسمرين بالمكان لم يتفرق أحد منهم لم نسمع صوت نقاش وجدال حول أسعار البقر والدخان وموسم الزيتون.. ولم يكن ابي رحمه الله مشغولا بكيفية احضار حشيش الفستق مع جارنا المرحوم أبي محسن.. ثمة امر مريب وكبير.. لكن من يدري.. هل يكون بحجم استشهاد ابن القرية النقيب الطيار محسن زينة.. هدنا الجوع فتفرقنا بعضنا تسلل خلسة إلى التينة الكبيرة تينة بيت ديوب وكما الجراد التهمنا حتى (الفقيع) منها.. ظهرا الساعة الثانية كان صوت المذياع يعلن الخبر المقدس.. حرب تشرين...انها الحرب إذن.. بعد يومين جاء من يوزع السلاح على من يريد حمله من الرجال.. رافقتنا البنادق إلى حراثة الارض وقطاف الزيتون.. ذهب الهلع الذي عشناه يوم قصفوا اللاذقية عام ١٩٦٧م.. تحلقنا حول الكبار نسمع ما يدور بينهم.. ليلا تشتعل النار بمنطقة حريصون.. انها المصفاة لقد قصفها العدو الغادر.. شعر بهزيمته فأراد الانتقام.. وظلت النار تشتعل حرمنا هبابها التين والعنب.. لكننا أقبلنا على اكل الاخضر واليابس بعد أن عرفنا أن طيارا سوريا اغار على مصفاة حيفا وقصفها انتقاما لبانياس.. ياللروعة انهم رجال سورية نسورها.. تفتحت الشهية نقطف حبة التين الملوثة بالهباب ويكفي أن نمسحها قليلا بطرف الثياب فتغدو اطيب واشهى.. وتمضي الايام نصرا يزهو به الوطن.. نفرح نكبر مع الفرح.. وحين يزداد الوعي عرفنا كيف تعافى وجداننا المطعون وكيف غدا تشرين شهر الدفء والحب.. عرفنا معنى أن يتلاقى عند الشهيد الله والبشر.. واليوم يكمل أبناؤه وأحفاده معركة لما تنته والشوط مازال طويلا لكنه مؤزر بالنصر, عرفنا أن حبر النصر معطر بدماء الشهداء, وأن تشرين مازال في الميدان, لم ولن يغادر سنبقى نقاتل حتى يعود الوطن كل الوطن, نعم كما قال شاعرنا الراحل سليمان العيسى: ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا عند الشهيد تلاقى الله والبشر ناداهم الموت فاختاروه أغنية خضراء مامسها عود ولاوتر تقدس المطر المجدول صاعقة وزنبقا؛ ياشموخ الأرض يامطر لاتفلتي قبضة التاريخ عن غدنا أطفالك السّمر ياصحراء قد كبروا ريش على صهوات الرّيح فجّرها بالمعجزات وريش راح ينتظر تعانق النسر والتاريخ ملحمة وكبّرالعشب والينبوع والحجر تعانق الفارس المقدور من ألم والتل ّ؛ فالعاشقان التلّ والشّرر وأينعت بالدم الجولان وانضفرت سيناء ؛ ياروعة الاكليل ينضفر سرّ الصحارى وسلها كلما يبست من أين ينبع فيها الظلّ والشجر ؟ افتح جناحيك ياتشرين ؛ مدّهما على الرياح وخلّ الأرض تستعر تشرين لم ينته الشوط الذي بدأت خيولك البيض.. في الميدان من نفروا في خندق النار مازلنا؛ وتعرفنا خنادق النارعن قرب وتذّكر قل للحضارات: لن تمحي بزوبعة سوداء تطغى ؛ فتستعلي ؛ فتنكسر قل للغزاة: كأسلاف لكم ؛ خبر أنتم على أرضنا ان تنتفض ؛ خبر لأننا - وجذور الشمس في يدنا - نقاتل الحلك الباغي سننتصر |
|