|
قاعدة الحدث التي كان للاستعمار أيضاً دور كبير في تغذية صراعاته الداخلية باللعب على الوتر الديني أو الطائفي أو العرقي.
يعود سكان نيجيريا إلى أصولٍ إفريقية، وتمثلهم ثلاث مجموعات كبرى هي: الهوسا، واليوروبا، والإيغبو، ما يعادل ثلاثة أخماس المجموع الكلي للسكان، أما قبيلة الهوسا فيبلغ عدد أفرادها نحو ربع سكان نيجيريا، ما يُشكل أكبر تجمٍع عرقيٍ في البلاد، يعتنق بأغلبيته الساحقة الديانة الإسلامية (98%)، ويقطنون أساساً في شمال نيجيريا، حيث يُمارسون العديد من المهن اليدوية والتجارية والزراعة، أما اليوروبا فهم ثاني المجموعات العرقية عدداً، ويعيشون أساساً في مدن جنوب البلاد الغربي ويتوزعون على سبع مجموعات فرعية، يدين أغلبها بالمسيحية، وتشتهر بصراعها الدائم مع قبيلة الهوسا، اما بالنسبة لقبيلة «الإيبو» أو «الإيغبو» فهي تأتي في المرتبة الثالثة عدداً، ومسكنها الجنوب الشرقي النيجيري، حيث تخضع لسلطة زعيمٍ تقليدي يُشرف على التمايز الطبقي بين أفرادها، وينتمي أفراد القبيلة جميعاً إلى المسيحية. يتكلم سكان نيجيريا رسميا اللغة الإنكليزية، إلى جانب اللغات القومية واللغة العربية، وتُعتبر الهوسا اللغة الأهم بعد العربية عند الناطقين بها في إفريقيا، ويتكلمها نحو 50 مليون شخص، ويُمثل المسلمون غالبية سكان نيجيريا، يتوزعون على مذهبين كبيرين، رغم الفارق العددي بينهما. ويشير المحللون إلى أن معظم المواجهات الدامية التي شهدتها نيجيريا خلال العقود الماضية كان سببها العامل الديني الذي يعتبر أحد محددات الصراع في نيجيريا بصفة عامة، كما كان للعامل الاثني أثر كبير في التأثير على جميع مخططات الاستقرار والتنمية في نيجيريا منذ الاستقلال، إلا أن تأثير التعددية الإثنية لم ينبع من التعدد في حد ذاته ولكن في ربط هذا العامل بمحددات سياسية واقتصادية عملت على تجذر الانقسامات الإثنية بل وتطابقها مع انقسامات أخرى سياسية واقتصادية وإقليمية ودينية، ما زاد من تعقيد المشهد النيجيري في ظل وجود نحو 300 جماعة إثنية متعددة الديانات واللغات. لقد عانت نيجيريا منذ الاستقلال من مشكلة الاندماج الوطني حيث تعلو الولاءات مادون الوطنية (الإثنية والدينية والإقليمية) على الولاء الوطني، كما ارتبطت هذه المشكلة خلال السنوات الأخيرة بظاهرة الإحياء والصحوة الدينية التي تشهدها مناطق مختلفة في العالم والتي جعلت اللجوء إلى «الدين» يمثل ملجأ أساسياً للكثيرين لمواجهة العديد من التحديات على المستويات الفردية والجماعية، كما أن بيئة «عدم الوضوح» التي يعيشها الشعب والدولة النيجيرية لعبت دوراً رئيسياً في تصاعد الأزمات بين جماعات إثنية أو دينية في البلاد، حيث يهرع البعض في أوقات الأزمات الوطنية إلى أحضان انتماءاتهم الدينية أو القبلية أو الإثنية، إلا أن المحرك الأساسي لتلك الأزمات كان على الدوام هو العامل الاستعماري الخارجي المستفيد الأكبر من تلك الأزمات والمتمثل بالولايات المتحدة الأميركية التي تعتمد على نيجيريا في سد جزء كبير من احتياجاتها النفطية حيث تحتل نيجيريا المركز الخامس بين الدول المصدرة للنفط للولايات المتحدة. ومن الملاحظ أن الحدود الاستعمارية التي رسمت على خرائط في أوروبا عكست بالأساس مصالح القوى الاستعمارية، ولم تعترف بالمصالح الإفريقية، وعليه فإن الحدود الموروثة عن الاستعمار أدت إلى تقسيم الجماعات العرقية بين دولتين أو أكثر، كما أنها من جهة أخرى أدت إلى وجود جماعات عرقية ذات تاريخ من العداء والصراع داخل حدود إقليمية واحدة، وهو الأمر الذي شجع على تزايد حدة الصراعات العرقية في كثير من المواقف. وبالمحصلة فإن الواقع الإفريقي عموماً والنيجيري خصوصاً يموج بالعديد من الهياكل والتنوعات الاجتماعية والثقافية والدينية والتاريخية، فثمة فروق واضحة بين إفريقيا الناطقة بالعربية وإفريقيا جنوب الصحراء، وحتى في إطار افريقيا غير العربية هناك تمايزات بين مجموعة الدول الأنجلوفونية (الناطقة بالإنكليزية) والدول الفرنكفونية (الناطقة بالفرنسية) والدول اللوزفونية (الناطقة بالبرتغالية)، كما تمتلك إفريقيا نحو (33%) من جملة اللغات الحية في العالم على الرغم من أن سكانها لا يتجاوزون نسبة (10%) من جملة سكان العالم. |
|