|
دراسات هذه هي قضايا التربية السياسية في سورية, وقضايا التربية الوطنية والقومية والأخلاقية. لقد تربينا نحن جيل السوريين على المفاهيم المرتبطة بالأمة العربية، والمترابطة معها في التحرر والتوحد والسيادة والاستقلال. ولدينا في الجمهورية العربية السورية شعب لم يجد نفسه في تاريخه خارج محرق دائرة الأمة، فجاهد معها على كل بقعة عربية قاتلت الاستعمار، وصمد معها في كل مواجهة اقتضتها مسائل السيادة والاستقلال للإنسان العربي من المحيط إلى الخليج. ولكم حملت سورية أعباء المواجهة للعدو الصهيوني منذ أقام كيانه الغاصب على أرض فلسطين، وَوُجدَ في جامعة النظام العربي الرسمي من يؤيد قيام إسرائيل، ويستبيح دماء أبناء جلدته من الفلسطينيين والأشقاء العرب الذين اعتبروا أن احتلال فلسطين سيكون مقدمة لسقوط الكيان الوحدوي العربي الذي تطلعت إليه جماهير الشعب العربي عبر مراحل وثورات الاستقلال من المستعمر الأوروبي في فترة ما بين الحربين العالميتين وبعدهما. وقد وصل الحال في مناضلي سورية بأن ربطوا الإنجاز الكامل لاستقلال سورية بالمهام الواجبة لتحرير فلسطين وجعلوا فلسطين قضية العرب المركزية وحشدوا الضمير العربي في الفضاء العربي من أجلها، ولّمّا تزل هذه المسألة في رأس الأولويّات السورية حتى الآن. وعبر أكثر من عقود ستة تخوض سورية المعارك ضد الكيان الصهيوني ومطامحه بإنهاء الوجود العربي على أرض العرب وتفتيت الأمة إلى كانتونات تابعة له، وتأمين المجال الحيوي والأمني له لأواسط أفريقيا، وشرقاً للباكستان وفي الوقت الذي بدأت فيه سورية نتيجة وصول القوة فيها إلى البعدين الاستراتيجيين: البعد الشعبي بإرادة المقاومة للاحتلال والانخراط في جبهات المقاومة من جنوب لبنان إلى غزة، وشرقاً في مقاومة العراق للمحتل الأميركي، والبعد الاستراتيجي المتمثل بامتلاك القدرة الرادعة في القوة العسكرية التي قدّم لها الشعب من عرقه وبذله ومساندته ما جعلها عُدّة التحرير اللازمة في الزمن المناسب وقد ساهمت بفاعلية في هزائم إسرائيل وأميركا في لبنان وغزة والعراق. نعم حينما امتلكت سورية هذين البعدين الاستراتيجيين كان لا بد من إحداث أي متغيّر في المعادلات الناظمة للحراك العربي حتى يتم التحوّل من موقف عربي مقاوم يمكن أن تستكمله سورية وجبهة المقاومة العربية على صعيد العرب كل العرب وتضطر قوى العمالة العربية إلى الرضوخ له، إلى موقف آخر مختلف عن مهام المقاومة للمشروع الصهيوني وتهويد فلسطين والقدس، هذا الموقف يعتمد الاستدارة الكاملة عن فلسطين والصراع العربي ضد الصهيونية وكيانها إلى مهام أكثر أهمية باعتبارهم. وهي شكل السلطة العربية وفقدان الحرية والديمقراطية للمواطن العربي، وبعد ذلك يمكن التفكير بفلسطين. وهنا وقعت المؤامرة على جبهة النضال القومي العربي وشرعت الأنظار تنصرف إلى وقائع في الحراك الشعبي المناهض للنظم العربية من تونس إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين، وكل ذلك كان المقدمة الضرورية للوصول إلى سورية لكون سورية بعد انتصار مقاومة العراق يمكن أن تستعيد مع الشقيق العراقي الجبهة الشرقية وتعود قضية ومهام الصراع العربي ضد إسرائيل إلى الواجهة ويستعيد خط المقاومة العربية دوره وألقه.وبناء عليه تقرر قبل خروج أميركا وحلفائها من العراق في نهاية 2011 أن يتم تدمير الدولة السورية وفرض وقائع جديدة تنتمي إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير. وشهدت سورية من 15/03/2011 حتى تاريخه صوراً من تدمير الدولة تحت مسمى الحرية والديمقراطية وحقوق المدنيين في التظاهر السلمي. ولو تتبعنا هذه الطبيعة في الحراك المسمى سلمياً سنجد فيها مباشرةً الإقصائية المسبقة، والثأرية الطاغية، وعدم احترام الآخر لا شخصاً ولا رأياً. ومع ذلك هذا البديل قد أعلن عن تنازله عن كل قضايا الصراع الوجودي بين الأمة وأعدائها، بل صار حليفاً لهم حتى يصلوا به إلى امتلاك نظام الكانتونات الخاصة به التي لن تكون على خصومة مع الأعداء التاريخيين. وبكل المنطق القومي العربي ارتضت سورية مساعدة العرب الموجودين في الجامعة واستقبلت الوفد العربي من خلال البروتوكول المشترك – وأنجز الوفد المعني مهامه في سورية في غضون شهر ليقدم تقريراً إلى الجامعة العربية يشير فيه إلى وجود مسلحين غير ملحوظين بالبروتوكول يقومون بأعمال إجرامية بحق الأمن والاستقرار والخبراء والبناء التحتي للمواطنين والدولة في سورية. ومع سطوع الحقيقة في تقرير المراقبين العرب تجاهل الاجتماع الوزاري كافة وقائع تقرير البعثة العربية ليقدم لسورية مبادرة إذعان وشروط اختراق سيادة وقرارات تدخل بالشؤون الداخلية ضارباً عرض الحائط بميثاق الجامعة، ومنهياً أي سمة حقوقية أو أخلاقية في التعامل العربي - العربي حتى يتم نسف الجامعة أو تفكيك بُنى العمل المشترك وخلق شروط وظروف التدخل الخارجي في سورية وتوفير ظروف دولية تدمِّر الدولة السورية وتقسم سورية والمنطقة العربية خدمة لإسرائيل وحلفائها الأمروأوروبيين. ومن الطبيعي أن تهلل إسرائيل لهذا الموقف العميل لعملاء تمت إعداداتهم منذ زمن حتى تكون هذه هي مهمتهم التدميرية اليوم كي تعيش إسرائيل آمنة على حساب الأرض والمستقبل العربي برمته. ورداً على ذلك تتمسك سورية بسيادتها ويعلن الشعب قراره بحماية بلده. |
|