تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قصيدة النثر بين الوهج والوهم

ثقافة
الخميس 26-1-2012
حكمت حمود

ورد في دراسة للدكتور صلاح فضل (أن قصيدة النثر التي تستحق أن يطلق عليها هذا المصطلح لابد أن تتوافر لها الشروط الجمالية التالية:

ينبغي أن تكون وحدة عضوية مستقلة‏

- يتعين أن تكون وظيفتها الأساسية شعرية.‏

-على قصيدة النثر أن تتميز بالتكثيف.‏

من هنا دخلت قصيدة النثر نفقاً معتماً لعدم توافر هذه الشروط الجمالية وتاهت في مسالك ومعابر غامضة وغير مفهومة في كثير من الأحيان).‏

إن مأزق قصيدة النثر متعلق بمأزق الأمة في هويتها وذاتها ومشروعها وفي حداثتها الزائفة التي لم تتمكن من إقامة صيغة مناسبة من العلاقة معها وهي حداثة مقصورة على المستوى الشعري دون المستويات الشعرية فكانت أن وقعت الحداثة الشعرية وخصوصاً قصيدة النثر في مجموعة من الأوهام كما يحددها الشاعر أدونيس:‏

- وهم المغايرة: بمعنى التغاير مع القديم موضوعات وأشكالاً.‏

- وهم المماثلة مع الغرب باعتباره مصدر الحداثة ما يعني استلاباً أمامه.‏

الوهم الرابع. التشكيل النثري.‏

والخامس الاستحداث المضموني.‏

ويرى بعض الذين يمارسون كتابة النثر شعراً أن الكتابة بالنثر من حيث هي تماثل كامل مع الكتابة الشعرية الغربية وتغاير كامل مع الكتابة الشعرية العربية إنما هي ذروة الحداثة.‏

ويذهبون برأيهم بنفي الوزن.‏

إن هؤلاء لا يؤكدون على الشعر بقدر ما يؤكدون على الأداة.‏

فالنثر كالوزن أداة لا يحقق استخدامه بذاته الشعر فكما أننا نعرف كتابة بالوزن لا نشعر فيها فإننا نعرف أيضاً كتابة بالنثر لا شعر فيها.‏

بل إن معظم ما يكتب اليوم من نثر إنما يكشف عن رؤية تقليدية وبنية تعبيرية تقليدية.‏

وهو ذاك ليس شعراً وليس له علاقة بالحداثة.‏

- قصيدة النثر بين الأنصار والانتشار‏

يتم الحديث بشكل متواتر عن انتشار قصيدة النثر أنها غدت نتاجاً شعرياً عربياً له شرعيته المستمدة من انتشاره وحضوره اليومي في كل المجالات وبقية وسائل الإعلام.‏

فهل يكفي الانتشار لنيل الشرعية؟‏

- على ما تثبت الظواهر لا يكفي أن يشيع صيت نمط من الكتابة ليحوز على الشرعية الوجودية.‏

يشير واقع قصيدة النثر اليوم أن المسألة لم تحسم بعد لصالحها.‏

وغالباً ما تدور معارك عنيفة تتخذ في أحيان كثيرة طابع الاتهامات الارتجالية من كلا الطرفين أنصارها ومهاجميها.‏

ويوحي المناخ العام لهذه المعارك وكأن قصيدة النثر مازالت في بداياتها ولم تستطع حتى الآن اقناع الذائقة الأدبية والنقدية في جانب مهم من جوانبها.‏

إن أصحاب وأنصار هذه القصيدة يبحثون دائماً عن أعداء في المواجهات التي تحصل معهم ويفترضون أن هناك مؤامرة عليهم من قبل تيار يريد الانقضاض عليهم.‏

من هنا يتم الزعم من قبل أصحاب هذه القصيدة أن قصيدتهم هي صوت المهمشين الذين لا صوت لهم.‏

وجميع أنصار هذه القصيدة يظهرون رغبة في تقديم أفضل صورة ممكنة لقصيدة النثر من خلال الدعوى بأنها فيها متسلقين ومتعيشين عليها ولا يمتون بصلة لجوهرها.‏

الكثيرون أدلو بآراهم حول قصيدة النثر وأيدوها ودافعوا عنها وتجمع معظم الآراء على أن هناك من اشتغل قصيدة النثر واستسهلها وهي نماذج لا ينبغي أن تعطل مسيرة القصيدة.‏

وهنا تستحضر أهم شاهد من أنصار هذه القصيدة على مبدأ - وشهد شاهد من أهلها- وهذه الشهادة (لأنسي الحاج) حيث يقول:‏

(غياب الناقد أدى لهجوم التافهين على مختلف الأنواع الأدبية وفي طليعتها القصيدة الشعرية فراحوا يكتبون أي شيء ويجدون دائماً من يرضى عنهم ويرضى بهم ويباركهم ويأخذ انتاجهم بالصفات التي يغدقونها هم عليه).‏

وأخيراً تجربة محمد الماغوط تبقى تشكل تحدياً لكتاب قصيدة النثر اللامعين بما تعنيه من أصالة وابتكار لنموذج من النثر غير مسبوق في مجاله وبما تعنيه في إطار قدرات الماغوط الطبيعية على رؤية العالم بشكل مختلف في تفاصيله ونثرياته وجزيئياته بطريقة لا تتحول معها نصوصه إلى ركام مجاني بل بقيت معنية بتقديم تصور ما للحياة ومفرداتها بصورة لم ينجح غيره فيها لذلك ظل الآخرون ذائبين في شخصيته الفنية قابعين في ظلاله على ما يقول الدكتور نعيم اليافي: وظلت هذه التجربة مثالاً نادراً على مماهاة التفاصيل بالتجربة الجمالية لذلك تجربة الماغوط في قصيدة النثر كانت وهجاً حقيقياً على درب من الأوهام.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية