تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل خميس.. المــــرآة عشـــيقتي الأبديّــة

ثقافة
الخميس 26-1-2012
حكيم المرزوقي

..(أنت لست ما تزعم)...كسرت  صمتها المرآة وهمست لي خلف حجاب نديّ من بخار  وهي تتفرّس في وجهي الملطّخ بالماء والصابون والشتائم وبقايا المنامات الفاحشة.

لست رجلا  ما لم تطعن في رجولتك  امرأة وحيدة و حزينة وحاقدة في مكان ما..في زمن ما..كما يجب.‏

 لست نبيّا ما لم يتآمر عليك الكفرة والملحدون والمنافقون وعبدة الأصنام وأتباع  الرجس والأزلام.‏

 لست أنت,  ما لم يشهّروا بك من فوق المنابر ويقتادوك حافيا كطير, مكمّما,مكبّلا  في الأسواق و معفّرا بالإهانة والغبار, ليعتبر منك ضعاف الإيمان وفاسدو العقيدة والأغرار.‏

لم أكسر المرآة  كي لا تتكاثر مثل كائن خرافي بل قلبتها على ظهرها كالخنفساء وتركتها  تكمل حديثها للسقف والسماء.‏

..أطبقت  الباب خلفي..وتركته يشتمني ويشتم أوّل عهده بهذا المفتاح..المفتاح الذي يحاول أن يفلت ويضيع منّي كلّ مساء  ولكنّي أجده غصبا عنّي...ودون جدوى ودون  مساعدة من  أحد.‏

هاهو الصباح يلقي بي في الطرقات كحبّة(نفتلين) بين المعاطف السميكة في فصل الصيف وأحيانا كحبّة(سكّرين )في قهوة باردة وفي أغلب الأحايين:بحصة في كلية فاسدة.‏

أنا لست ما زعمت..أنا ذاك الذي كدت أن أتذكّره وأوشكت أن أنساه.. أنا كبير  مثل بعوضة لها ثلاثة قلوب وثمانية عيون  وأكثر من جناحين وعدّة مخالب ولا يستحي الله من أن يضرب بها مثلا في كتابه...أنا مكره يا حبيبتي وأحيانا..-أكثر من  بطل- في رواية لا تستحقّ البطولة.‏

لست كبيرا ما لم أصغر أمام عبارة قالها بقّال  في غيابي و أمام شكوى نامت بين شفتي مظلوم في حضوري.‏

لست شاعرا ما لم تختلف عنّي الأقوام...عفواً, ما معنى (أقوام)؟!.‏

لست فارساً ما لم أترجّل.. فأين الحصان..!؟ إليّ بحصان حتّى أبتاعه بمملكة من صخور اللغة وتعب الكلام...أما آن لهذا الفارس أن يركب ؟أجبني أيها  القراد العالق  بصهوة خيلي وهو يعلم أنّي لست  ذنبا كي أنشّه  و أطرده من فوق سرجي.‏

لست صغيرا  كي أكبر بين الصغار  ولكنّي كبرت  مثل تفصيل  في مسرحية عابرة ومنسيّة وقد لا يشاهدها أحد,كبرت كإهانة على مسامع طفل في حضور أبويه.‏

أنا لست على ما يرام ما لم تقلني خطوات الذاهبين نحو حتفهم،ما لم أخط في اتجاه الكدر وآمره بالانصراف من فوق سطحك يا حبيبتي,لست ريحا ما لم أمسح السحاب عن سمائك.‏

أنا على ما يرام حين أجلس على طاولة القمار مع الأقدار دون غشّ منها ودون أن يأخذني السبات إلى السبات منّي إليك.‏

أنا على قلق و كأنّي حصان  فصيح،على ما قلته وكأنّي شهيد،على راحتي وكأنّي أمتطيها، على حين غرّة وكأنّي ضحكة في ميتم،على يقين وكأنّي كاذب،على وشك وكأنّي حكمة ،على أهبة وكأنّي صافرة،على غيظ وكأنّي نائم،على ركبتي وكأنّي سؤال إلى غير الله.. وأنا (-على -أفواه العرب) وكأنّي حرف جرّ في قوافل كلام العرب.‏

بصراحة أنا لم أزعم شيئا..الكتابة زعمتني ووعدتني  بمآرب أخرى ثمّ ضربت بي عرض البحر كعصا موسى وشدّتني إليها كجذع النخلة  ولكن دون أن يسّاقط منّي أيّ رطب جنيّ.‏

بصراحة أنا لم أجد ما أصارحك به فإذا كان الكذب هو الإبداع  المسكوت عنه فإنّ الصراحة  هي الكذب الميؤوس  منه.‏

سكوتي لم يكن إلاّ سكوتا فمن ذا البلاغي  المرابي الذي قسّم وصنّف الكلام إلى معادن وجعل أعلاه أبيض وأدناه أصفر،وما دخل صيارفة اللغة ونخّاسيها حتّى يجعلوا حضورك ثمينا أو رخيصا.!بل وما دخلهم بمن في داخلي أصلا..!؟‏

الصراحة أن ليس في داخلي شيء صريح ويستحقّ الكتابة  غير ذاك الذي  كشفته صور المخابر الشعاعيّة...صدق الأطبّاء وإن كانوا شعراء وكذب الشعراء  وإن كانوا أطبّاء.‏

هاهو مفتاحي عفوا مفتاح الباب-يقتادني إلى البيت ككلاب العميان بعد  يوم طويل من المعاطف  السميكة الباردة وهاهو الباب يشتمني بصريره المعتاد وهاهو الكائن الزجاجي مازال  ينتصب على ظهره ويشتكيني إلى السقف هامسا:إنّه ليس كما يزعم..أو كما زعمت..إنّه معشوقي الأبدي.‏

hakemmarzoky@yahoo.fr

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية