تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قصيدة البنفسج

آراء
الخميس 26-1-2012
حنان الدرويش

جلست تلك الفتاة تسامر الليل بعزف بديع يحاور الدهشة والحب والشذى، تكتب الشعر بصمت، أمامها أضمومة زهر مزروعة في كأس ماء، وأم تعانق حيزاً من الغرفة، تنسج كنزة من الصوف لابنها الذاهب إلى خدمة العلم:

(نهارات النبك باردة مثل لياليها).‏‏

بثت حروف جملتها بشيء من الحزن، بينما الفتاة تستدرج أسراب اليمام والصباحات الجميلة والغد الباسم لقصيدتها المنتظرة قرب دروب البنفسج.‏‏

في تلك اللحظة وحين كان رهيف قلبها يصغي إلى وجدها، استوقفتها كلمات أبيها وهو لايزال يلصق أذنه بمذياعه الصغير، يلتقط الأخبار الشاردة والواردة ويقول بحماسة واضحة النبرات:‏‏

- اسمعوا.. كم هو مشرّف موقفنا أمام العالم.‏‏

- بالتأكيد.‏‏

تعقيبها المكتنز تفاؤلاً وتصميماً رسم على الوجوه أسارير وتباشير تضج بالحبور.‏‏

استقل حافلة الإصغاء ومضى واستقلت مركب الحبر والورق حيث مساكب القصيدة، حاورتها، وتغطت بطهرها ونداها، ثم راحت تستحم بمنادمة الهواجس والرؤى وكم لا يعد من تراكمات القلق:‏‏

(يقولون إن الطريق الموصلة إلى الشعر مربكة وشائكة).‏‏

ضجيج وصخب يقطع عليها استرسالها، أصوات مرتفعة تأتي من الشارع، تتناحر بشأن أمر معين، يتداخل صياح الفتية مع بعضه ليبرز رأي دون سواه.‏‏

(هيفا وهبي هي الأجمل، ومن لا يعجبه ما أقول.. فليشرب البحر).‏‏

حانت منها التفاتة عابرة إلى الشاشة الصغيرة ، لمحت ترهات وصراعات وتصاريح ملونة تتلوى كالأفاعي.‏‏

ما يدلى به ليس حقائق لكنه إملاءات وادعاءات.‏‏

حين رآت الأذى الوافد لسعها سعير.. حاولت الرجوع إلى أجواء القصيدة، رقّت، شفّت، أتاها المدّ قطرة قطرة، دخلت حالتها الوجدانية أو كادت، ليقطع الفيض من جديد صوت أخيها الصغير:‏‏

(سأذهب مع المدرسة في رحلة إلى الساحل)‏‏

ابتسمت.. هدهدها الكلام الصبوح، لوّحت للبحر، لألق الماء، طوت ورقتها، حملت قلمها وكأس البنفسج، غادرت الغرفة إلى غرفة أكثر هدوءاً وسكينة كي يتاح لها أن تكمل نسج قصيدتها كما تنسج أمها الكنزة لأخيها المسافر إلى خدمة العلم.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية