تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القيادة والإبداع

آراء
الخميس 26-1-2012
د. هزوان الوز

الإبداع في اللغة هو الاختراع والابتكار على غير مثال سابق، وبصورة أوضح هو إنتاج شيء جديد لم يكن موجوداً من قبل على هذه الصورة.

وقد جاء في القواميس أن كلمة إبداع: هي مصدر بمعنى: ابتكار، فالإبداع شيء غير نمطي ولا مكرر.‏‏

وفي المفهوم الفلسفي: يعني إيجاد الشيء من عدم والمبدع هو المحدث أو المنشئ.‏‏

وفي القرآن الكريم: (بديع السماوات والأرض)، سبحانه: أي خالقهما على غير مثال سابق. أما في الاصطلاح فقد اختلف النقاد والعلماء في تحديد مفهوم الإبداع، غير أن هذا الاختلاف لا ينفي وجود اتفاق شبه مؤكد على أن الإبداع هو نوع من التفوق العقلي إذ هو العملية التي تؤدي إلى ابتكار أفكار جديدة، مفيدة ومقبولة اجتماعياً عند التنفيذ، وعليه يمكن التأكيد على أن الإبداع عملية الإتيان بالجديد، ورؤية ما لا يراه الآخرون، والقدرة على حل المشكلات بطرق جديدة.‏‏

وعرفه العالم «جوان» بقوله: (الإبداع مزيج من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية، التي إذا وجدت بيئة مناسبة، يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية لتؤدي إلى نتائج مفيدة للفرد، أو الشركة، أو المجتمع).‏‏

ويعرفه «جيلفورد» أنه: (سمات استعدادية تضم الطلاقة في التفكير والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات، وإعادة تعريف المشكلة، وإيضاحها بالتفصيلات والإسهاب، فهو قدرة عقلية مركبة من عدد من القدرات كالطلاقة والمرونة والأصالة والتأليف).‏‏

ويعرفه «ويرتيمر» بأنه: (إعادة دمج أو ترجمة المعارف والأفكار بشكل جيد).‏‏

ويعرفه «فروم» بقوله: (الإبداع هو إنتاج شيء جديد) أما «كارول روجرز» فيعرفه بأنه: (ظهور إنتاج جديد في العمل نتيجة تفاعل الفرد).‏‏

أما العالم «تورانس» فقد عرف الإبداع فقال: (هو عملية وعي بمواطن الضعف وعدم الانسجام، والنقص بالمعلومات، والتنبؤ بالمشكلات، والبحث عن حلول، وإضافة فرضيات واختبارها، وصياغتها وتعديلها باستخدام المعطيات الجديدة للوصول إلى نتائج جيدة لتقدم للآخرين).‏‏

بينما عرفه الدكتور «علي الحمادي» بقوله: (هو مزيج من الخيال العلمي المرن، لتطوير فكرة قديمة، أو لإيجاد فكرة جديدة، مهما كانت الفكرة صغيرة، ينتج عنها إنتاج متميز غير مألوف يمكن تطبيقه واستعماله).‏‏

والإبداع في الأدب هو: (إظهار طلاقة تعبيرية، وقدرة على التفكير السريع في الكلمات المتصلة والملائمة لموقف معين) ولما كان الأدب من الفنون الإنسانية الرفيعة، التي تحقق أهدافها بوساطة العبارة وأنه التعبير عن الحياة بواسطة اللغة، وأنه جميع الآثار اللغوية التي تثير فينا بفضل خصائص صياغتها انفعالات عاطفية أو إحساسات جمالية فإن الإبداع الأدبي على هذا النحو هو القدرة الفائقة في إحداث التعابير التي لم يسبق إليها والتي تستطيع أن تثير فينا تلك الانفعالات والإحساسات الجميلة.‏‏

ولما كان الحديث عن الإبداع غير مجدٍ من دون الحديث عن التفكير الإبداعي فإنه يتوجب علينا عرض تعاريف للتفكير الإبداعي منها:‏‏

- تعريف «دينكا»: بأنه عملية ذهنية تهدف إلى تجميع الحقائق، ورؤية المواد والخبرات والمعلومات في أبنية وتراكيب جديدة لإضاءة الحل.‏‏

- تعريف «تورانس»: بأنه عملية يصبح فيها الشخص حساساً للمشكلات، مع إدراك الثغرات والمعلومات والبحث عن الدلائل للمعرفة، ووضع الفروض واختبار صحتها، ثم إجراء التعديل على النتائج.‏‏

- تعريف «ميدر»: بأنه نمط تفكيري مكون من عنصرين هما التفكير المتقارب الذي يتضمن إنتاج معلومات صحيحة ومحددة تحديداً مسبقاً، أو متفق عليها حيث تتدنى الحرية في هذا النشاط الذهني، أما التفكير التباعدي فهو يستخدم لتوليد وإنتاج واستلهام الأفكار المختلفة والمعلومات الجديدة من معلومات أو مشاهدات معطاة، أي إنتاج أشياء جديدة اعتماداً على خبراتهم المعرفية.‏‏

ومما سبق تتضح أهمية الإبداع والمبدعين في مسيرة المجتمعات الإنسانية للارتقاء بالثقافة الإنسانية.‏‏

وتجدر الإشارة إلى أن تلك الأهمية لم تكن مقصورة على شعب بعينه أو على العصر الذي كان الإبداع فيه وإنما تعدتها إلى كل الشعوب إلى العصور التالية، وبذا فإن أولئك الأفراد البارزين من المبدعين والقادة يشتركون في امتلاكهم لخاصية العبقرية، وهذه العبقرية تقاس من خلال مقدار التأثير الذي خلفته على المعاصرين واللاحقين.‏‏

وتعريف العبقرية لا يميز بين الإبداع والقيادة، فحين نضع أشهر المبدعين وأشهر القادة تحت الفحص، فإن ذلك الفرق بين الإبداع والقيادة يختفي، لأن الإبداع يصبح شكلاً من أشكال القيادة، والمبدع قائد في مجال إبداعه وقد يتعداه إلى مجالات أخرى.‏‏

فقد كانت لفكر «آينشتاين» النظرية تأثيرها البالغ في زملائه من علماء الطبيعة بشكل خاص، وفي المجتمع العلمي بشكل عام، وكذلك كان تأثير «بيتهوفن» في الموسيقا و«مايكل أنجلو» في النحت و«شكسبير» في الدراما تأثير كبير في عصرهم، وفي العصور اللاحقة.‏‏

فالمبدعون المشهورون، هم قادة في الشؤون الفنية والعلمية، ولو استعرضنا الإنجازات التي قدمها المبدعون على مدار التاريخ، لأدركنا تأثيرها المباشر وغير المباشر في الأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل، حتى أننا نكاد نراهم ونسمعهم ونتمثلهم أمامنا.‏‏

ولا يقتصر تأثيرهم في شعب دون آخر، وإنما يمتد ليشمل شعوب العالم جميعها.‏‏

ولو تتبعنا التاريخ، لعرفنا كم كان للعرب تأثير في الثقافة الأوروبية في مجال الطب والفلك والموسيقا والرياضيات وغيرها من الفنون، وفي الوقت نفسه، تأثرنا نحن العرب بالإنجازات التي حققها مبدعون عالميون من شعوب أخرى.‏‏

وأي إنجاز يقدم للبشرية ويجري تعميمه، يتحول إلى فكر أو علم أو فن، يمتزج في العقل الإنساني للفرد، حيث يتحول إلى جزء حميم من فكر وعلم وثقافة ذلك الفرد‏‏

وأي اختراع مبدع يتحول إلى أداة يستخدمها الآخرون أو يقودهم إلى تطويره والبناء عليه في مزيد من الاختراعات التي تخدم البشرية كلها وبذا يبرئ الإبداع نفسه من أن يكون طرفاً في صراع الحضارات ليكون في صميم حوار الحضارات لصالح الإنسانية جمعاء.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية