|
صفحة ساخرة فبعد أن تحدثنا مليا عن النكتة التصاعدية انتقلنا الى عرض ما دعوناه:(نكتة الموقف) بما لها من فروع متعددة متنوعة, ومنها النكتة التي تشير الى الغباء وسوء الإدراك وتلك التي تصور حالة صعبة أو حرجة كما أن هذا الضرب من النكتة يمكن أن يصور موقفا طريفا أو أن يشير الى حسن التخلص كما قد يدل على حالة نفسية غير مستحبة وقد ينم عن الذكاء. النكتة التي تقوم على الحيلة: اشتهر هذا الضرب من الفكاهة في العصور العربية الغابرة يوم كانت حياة الناس بسيطة ومتطلبات العيش قليلة وربما أمضى الانسان قسطا من يومه في ملاه وشؤون ليس فيها كثير من الجد, وكان بعض علية القوم يبحثون عن الظرفاء ليضعوهم في مواقف محرجة في انتظار الطريقة الطريفة التي سيتخلصون بها من المأزق الذي وجدوا أنفسهم فيه, وقد تفنن في هذا المجال كثيرون فعرفوا به واشتهروا واعتمد عليه بعضهم سبيلا للرزق, من ذلك ما يذكره ابن الجوزي(1) من أن الرشيد قال لأبي يوسف: ما تقول في الفالوزج واللوزينج أيهما أطيب? والكلمتان فارسيتا الأصل الفالوزج حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل واللوزينج حلواء تشبه القطائف. قال أبو يوسف وكان قاضيا مشهورا: يا أمير المؤمنين لا أقضي بين غائبين, فأمر الرشيد باحضارهما فجعل أبو يوسف يأكل من هذا لقمة ومن هذا لقمة حتى نصف جاميهما, ثم قال يا أمير المؤمنين ما رأيت خصمين أجدل منهما, كلما أردت أن أسجل لأحدهما أدلى الآخر بحجته. ماذا يرى البهلول? ويروي ابن الجوزي(2) نكتة أخرى كان بطلها بهلولا بسوق البزازين حيث تباع الثياب فرأى قوما مجتمعين على باب دكان قد نقب فنظر فيه وقال: ما تعلمون من عمل هذا? قالوا: لا, قال: فأنا أعلم, فقالوا: هذا مجنون يراهم في الليل ولا يتحاشونه فألطفوا به, فقالوا: خبرنا, قال: أنا جائع فجاؤوه بطعام سني وحلواء, فلما شبع قام فنظر في النقب وقال: هذا عمل لصوص. وقد تتخذ الحيلة شكلا آخر حين يكون الموقف مختلفا كأن ينطوي على خطر وهذا ما ذكره الشعبي (3) نقلا عن عمرو بن معد يكرب, فقد قال: خرجت يوما حتى انتهيت الى حي, فإذا بفرس مشدود ورمح مركوز, وإذا صاحبه في وحدة يقضي حاجة له, فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك, قال: ومن أنت? قلت: أنا ابن معد يكرب, قال: يا أبا ثور ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك وأنا في بئر فأعطني عهدا أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري, فأعطيته عهدا أني لا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره فخرج من الموضع الذي كان فيه حتى احتبى بسيفه وجلس- أي أنه جلس مستندا الى السيف- فقال عمرو: ما هذا? قال: ما أنا براكب فرسي ولا مقاتلك فإن نكثت عهدا فأنت أعلم, قال عمرو: فتركته ومضيت فهذا أحيل من رأيت. الشره والظرف والحيلة وأظرف الحيل كانت تلك التي تتصل بشؤون الطعام وهنا يختلط الشره بالطمع بالظرف ويتفنن البطل في ابتكار ما يساعده على انقاذ حيلته واتمامها. قال ابراهيم بن المنذر الحزامي(4): قدم أعرابي من أهل البادية على رجل من أهل الحضر فأنزله وكان عنده دجاج كثير وله امرأة وابنان وابنتان قال: فقلت لامرأتي أشوي دجاجة وقدميها إلينا نتغدى بها, وجلسنا جميعا ودفعنا الى الضيف الدجاجة فقلنا: اقسمها بيننا نريد بذلك أن نضحك منه, قال: لا أحسن القسمة فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم, قلنا: نرضى فأخذ رأس الدجاجة فقطعه وناولنيه, وقال: الرأس للرئيس ثم قطع الجناحين وقال: الجناحان للابنين, ثم قطع الساقين وقال: الساقان للابنتين, ثم قطع الزمكي-أي أصل الذنب ومنبته-وقال: العجز للعجوز, ثم قال: والزور-أي صدر الدجاجة-للزائر. قسمة خمس دجاجات فلما كان من الغد قلت لامرأتي: اشوي لي خمس دجاجات فلما حضر الغداء قلنا: اقسم بيننا قال: شفعا أو وترا? قلنا: وترا, قال: أنت وامرأتك ودجاجة ثلاثة, ثم رمى بدجاجة وقال: وابنتاك ودجاجة ثلاث وقال: وابناك ودجاجة ثلاثة ورمى دجاجة, ثم قال: وأنا ودجاجتان ثلاثة, فأخذ الدجاجتين فرآنا ننظر إلى دجاجتيه, فقال: لعلكم كرهتم قسمتي الوتر?! قلنا: اقسمها شفعاً, فقبضهن إليه ثم قال: أنت وابناك ودجاجة أربعة, ورمى إلينا دجاجة, ثم قال: والعجوز وابنتاها ودجاجة أربعة, ورمى إليهن دجاجة. ثم قال: وأنا وثلاث دجاجات أربعة, وضم ثلاث دجاجات, ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: الحمد لله.. أنت فهمتنيها. يقلد أصوات الحيوانات جميعاً ويذكر الأبشيهي أنه كان لسابور ملك فارس نديم مضحك يسمى: مرزبان, فظهر له من الملك جفوة, فلما زاد ذلك عليه تعلم نباح الكلاب, وعوي الذئاب, ونهيق الحمير, وصهيل الخيل, وصوت البغال, ثم احتال حتى دخل موضعاً بقرب خلوة الملك وأخفى أمره. فلما خلا الملك بنفسه نبح مرزبان نبيح الكلاب, فلم يشك الملك في أنه كلب, فقال: انظروا ما هذا, فعوى عواء الذئاب, فنزل الملك عن سريره, فنهق نهيق الحمير, فمضى الملك هارباً, ومضت الغلمان يتبعون الصوت, فلما دنوا منه صهل صهيل الخيل, فاقتحموا عليه واخرجوه عريان. فلما وصلوا به إلى الملك, ورأى أنه مرزبان, ضحك ضحكاً شديداً وقال له: ما حملك على ما صنعت? قال: إن الله عز وجل مسخني كلباً وذئباً وحماراً وفرساً لما غضب علي الملك, قال: فأمر الملك أن يخلع عليه وأن يرد إلى مرتبته الأولى. الهوامش: 1- أخبار الظراف والمتماجنين -ابن الجوزي- ص.49 2-3- المصدر السابق -ص 72-.89 4- المصدر نفسه -ص88-.89 5- المستطرف في كل فن مستظرف -الأبشيهي -ج2-ص316 |
|