|
مجتمع يتطلب مهارة خاصة تستدعي طول البال والصبر على الانتظار، وهدوء الأعصاب للتحمل، واتقان فنون التعامل مع مزاجية بعض سائقي هذه الوسائل من باصات وسيرفيسات وسيارات أجرة. عندما يطرح موضوع المواصلات العامة والخاصة على السواء قد يبدو المشهد وكأنه مسلسل كوميدي مضحك مبكٍ، ولكل منا مواجعه التي لا تنتهي ، والتي تفوق بتعاستها وتراجيديتها كثيراً من متاعب العمل وإرهاقه، لتطفو على سطح معاناتنا وتزيد الطين بلة، فتستنفد طاقاتناوأعصابنا قبل بدء العمل، لنصل إليه منهكين جسدياً ومتوترين نفسياً. لا تحترم إنسانيتنا فبعد التأخير والانتظار الطويل الذي يهدر وقتنا وجهدنا، قد يأتي الفرج أخيراً، ولكي لا تضيع تلك الفرصة الثمينة، عليك الركض وراء السيرفيس والقفز بسرعة لتستقر بداخله جلوساً أو قرفصاء، قبل عودته مجدداً إلى ميدان سباقه مع بقية السرافيس في سرعتهم الجنونية، وهذه الرياضة اليومية قد يتقنها الرجال، بينما قد تصعب على ذوات الكعوب العالية، لتحشر بعدها في مكان ضيق يجعلك تشعر وكأنك والركاب أشبه بالقطيع ما يلامس انسانيتك وكرامتك. وإن حالفك الحظ وصعدت بباصات النقل الداخلي ، لاعتقادك بأنها أوسع وأكثر راحة، قد لاتحظى بكرسي لتجلس عليه، لقلتها قياساً للمكان المخصص للوقوف،حيث يحشر الركاب ويتأرجحون يمنة ويسرة مع كل حركة للباص. عطل عداد أم قلة«فراطة»؟ وبعد هذه المعاناة،قد نقرر أن نشتري راحتنا بالمال، ونوفر وقتنا، ونرهق ميزانيتنا بمصاريف إضافية يتطلبها ركوب التكسي لتلتهم نصف الراتب، فهل عندها ستسلم كرامتنا وتهدأ أعصابنا ، ونصل إلى مكان عملنا معززين مكرمين؟! قد يبدو هذا الأمر أحياناً بعيد المنال، خاصة بوجود بعض ضعاف النفوس والجشعين من سائقي التكسي، فعدا عن حشريتهم وفضولهم، هم يعتبرون الراكب فريسة عليهم استغلالها والشاطر وشطارته، ولكل منهم أسلوبه الذي لا يردعهم عنه، لا العداد ولا شرطة المرور، ولا حتى الضمير، فمنحوا لأنفسهم الحق في تقاضي زيادة تتعدى أحياناً حدود المعقول، وعذرهم حاجتهم المادية وعدم توفر« فراطة» وأحياناً عطل في العداد،وما عليك سوى الرضوخ وإلا فستسمع ما لا يرضيك. مادفعني لهذا الحديث بعض المواقف التي تعرضت لها، خاصة بعد بدء أعمال الحفريات في ساحة كفرسوسة، واضطرارنا نحن العاملين في جريدة الثورة إلى الدخول في متاهات والالتفاف من طرق كثيرة والتحايل للوصول إلى العمل، وما يستدعيه عملنا كمحررين من كثرة تنقلات،تتطلب أحياناً كثيرة ركوب التكسي، أكثر من مرة في اليوم، وبات لهؤلاء السائقين عذرهم في رفض الوصول لهذه المنطقة حتى من الطرق الخلفية، حيث رفض أحدهم بشدة إيصالي، بقوله:« ليس لي مصلحة في هذه التوصيلة» وآخر يعطي لنفسه الحق في تقاضي مبلغاً يزيد عن العداد، بل ويتعامل بفظاظة وقلة ذوق، عندما ظهر على العداد مبلغ« 51» ل.س ولأنه لم يتوفر معي مزيد من « الفراطة» أعطيته «60» ل.س مع اعتذاري منه وكأنه لزام وفرض علي أن أعطيه الزيادة، فما كان منه إلا أن نزل من بعد أن فشل في اسماعي زمور سيارته ليناديني، وألقى بالعشر ليرات ورائي مع ابداء تذمره وامتعاضه مني بصوت عالٍ. طرق جديدة للاستغلال وقد يتعدى الأمر بعضهم إلى أبعد من ذلك بكثير، والهدف اقتناص المزيد من المال مهما كانت الوسيلة، فابتدع بعضهم طريقة جديدة في محاولة للاستغلال، وهذا ما حدثني به أحد معارفي، ما ذكرني بنفس الوقت الذي حدث معي منذ فترة، حيث قال:« ما إن صعدت إلى التكسي حتى بدأ السائق بالحديث عن معاناته مع مرض ابنه الذي أصابه مرض بالدم، ويحتاج إلى تبديله في المشفى بين فترة وأخرى، وهذا يتطلب الكثير من المصاريف يعجز عن تحملها، وطلب مني مساعدة،فما كان مني ولكوني طبيباً، إلا أن أمسكت جوالي واتصلت بأحد معارفي من الأطباء، وحجزت له موعداً في المشفى، وطلبت منه مساعدته، وعندما أنهيت المكالمة، لزم الصمت حتى لم يطلب اسم الطبيب ولا مكان المشفى، ونزلت وهو لا يدري ماذا يقول وهذا كان دليلاً على كذبه». تلك قصص من سلسلة تكاد لا تنتهي، فسمعها هنا وهناك عن معاناة أساليب استغلال تمارس دون حسيب ولا رقيب، في ظل غياب الضمير، والضحية هو ذاك المواطن الذي لا حول له ولا قوة. فإلى متى سنبقى رهن مزاجية هؤلاء الذين يحكمهم الجشع والطمع؟!... |
|