|
شؤون سياسية ليس بالأمر الجديد، وإنما هو جزء من مسلسل متصل لطمس الحقيقة وخلط الأوراق وتضليل الرأي العام العالمي من أجل تغطية وتبرير المطامع الإسرائيلية غير المشروعة في هذه المدينة المقدسة التي تتعرض لادعاءات زائفة ومزاعم باطلة عن حق إسرائيل في السيادة كاملة عليها. العملية السلمية التي بدأت في مؤتمر مدريد عام 1991 كانت مبينة على مبدأ الأرض مقابل السلام. لكنها أصبحت مع حكومات شارون ونتنياهو المتزمتة مرفوضة تماماً، ليحل محلها فرض الاستسلام تحت عنوان السلام مقابل السلام فقط، وهذا من دون أي ذكر أو أي تعهد بالتخلي عن أي شبر من الأراضي المحتلة في كل أرض فلسطين، والتي تعمل على ضمها إلى « إسرائيل». مشروع التهويد هذا لا يحيا إلا على فرض الاستسلام، ولاسيما أن عملية السلام تطالب « اسرائيل» أولاً: بإزالة المستوطنات من الضفة الغربية. وهذه مسألة ترفضها « اسرائيل» بشكل قاطع وعلى لسان نتنياهو بالذات وسائر القيادات الإسرائيلية. بل يجسد نتنياهو هذا الرفض القاطع بتوسيع المستوطنات القائمة وبناء المزيد و المزيد منها، وفي القدس بخاصة، فالضفة الغربية إنما هي، بحسب عقيدة هذا التطرف « يهودا والسامرة» بالذات. أي أرض« اسرائيل» الحقيقية الأصلية بزعمهم. فكيف يجوز لإسرائيل أن تنسحب من أرضها وفق عقيدتهم؟! ثانياً: العملية السلمية تطالب« اسرائيل» كذلك بالتخلي عن القدس، أي القدس العربية لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا تزال تصر على اعلان القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ولذا فهي تتابع قضمها وتهويدها حياً حياً وبيتاً بيتاً، ذلك أن الأحياء الغربية في القدس لم يبنها اليهود إلا في بدايات القرن العشرين المنصرم. ثالثاً: العملية السلمية تطالب« اسرائيل» أيضاً بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم عام 1948. وهذه مسألة تعتبرها حكومات« اسرائيل» جميعها من رابع المستحيلات. سياستها في هذا الخصوص هي توطين الفلسطينيين أينما يوجدون وليس عودة أي منهم على الإطلاق. رابعاً: وأخيراً العملية السلمية تقول بالحل على أساس دولتين: قيام دولة فلسطينية مقابل « اسرائيل» القائمة وهو ما يعتبره التطرف الصهيوني من رابع المستحيلات كذلك، وعندما برز إلى العلن الضغط الأميركي على نتنياهو مؤخراً في هذا الصدد، اضطر إلى القول لفظاً ليس إلا، بدولتين لكنه ربط ذلك بالشروط التعجيزية مضيفاً إليها شرط القبول والاعتراف الفلسطيني والعربي والدولي بيهودية دولة اسرائيل و هذا ما يؤدي حكماً إلى اقتلاع وطرد فلسطينيي 1948 من « اسرائيل» لكونهم غير يهود، إذ أن وجودهم داخلها يناقض يهوديتها المزعومة. بعد هذا كله، إذا به، نتنياهو، يتكرم بدعوة الفلسطينيين إلى المباشرة بالمفاوضات، ولكن من« دون شروط مسبقة» على حد قوله فعلام ستدور هذه المفاوضات مادام قد حدد نتائجها وخواتيمها قبل أن تبدأ؟! نتنياهو- وليس الفلسطينيون- هو من يضع الشروط بل يتابع تنفيذ جوهرها وتفاصيلها على الأرض ، ثم يدعو الفلسطينيين للمصادقة عليها، أي على سياسة قتل أنفسهم وقتل قضيتهم. إنها ليست دعوة للفلسطينيين إلى المشاركة في مفاوضات .، بل هي ورقة جلب لهم لإعلان موافقتهم الصريحة التخلي التام عن أبسط عناوين قضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة. إنها دعوة للفلسطينيين إلى الاستسلام الكامل الناجز، وقبولهم بالفتات الذي يعرضه عليهم نتنياهو، ألا وهو « السلام الاقتصادي» أي مجرد كسرة خبز تجعلهم على قيد الحياة ولو إلى حين. علام يقوم حقاً وصراحة هذا الجبروت الذي يطبع سياسة نتنياهو؟ لنكن صريحين، ولنكف عن خداع أنفسنا المستمر عقوداً وعقوداً، إنه يستند خاصة إلى سلاح بالغ الفعالية ألا وهو انعدام مواجهة حقيقية تعترض سبيله وهو المواجهة التي لا يمنكها إلا أن تكون عربية، بدءاً ومن حيث الأساس. فما دمنا مكتوفي الأيدي ننشد الغيث من صلاة استسقاء الآخرين فعبثاً نرتجي نزوله. لن تقوم قائمة حقيقية لأي دور، ولا لأي سعي آخر، إذا لم يستند إلى حضور الدور العربي المفقود، فالتهويد يتغذى ويستقوي بغياب هذا الدور. أضف إلى ذلك ، حالة التشرذم الفلسطيني الحالي الذي يشكل كارثة حقيقية، الصراع الحاد المدمر بين الفلسطينيين أنفسهم، بين السلطة وفتح وحماس تحديداً، ليس سوى خدمة مجانية يسديها، بكامل الوعي لمفاعيلها المدمرة، أبناء القضية أنفسهم إلى جلادي شعبهم ولنصغي فحسب إلى ما يقوله حرفياً في هذا الخصوص رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية في تقريره المقدم أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست:« إن الوضع الفلسطيني الداخلي حيث العداء بين الفصائل يزيد حدة وشدة على العداء لإسرائيل، هو عامل أساسي جعل إسرائيل تعيش هدوءاً أمنياً لم تشهده منذ عشرات السنين». ثمة في العالم وقفة واضحة المعالم، مقدامة، ضد سياسة قادة« اسرائيل» المتزمتة والتطرف الصهيوني، في حين أن السياق العربي ليس غير التخلي. أما وأن الساحة تخلى عملياً أمام جموح التطرف الصهيوني المتشدد، فإنه يخشى» حقيقة أن تقدم حكومة« اسرائيل» الحالية على افتعال ظروف وأجواء تسرع شن الاعتداء المعد سلفاً على الحرم الشريف والمسجد الأقصى في غمرة حملتها العسكرية التنكيلية التي ما انفكت تتابعها أصلاً داخل المسجد الأقصى ذاته وفيما حوله. وبالتالي، على العرب جميعاً، وعلى المسلمين في سائر بلدانهم، وعلى المسيحيين قاطبة، أن يدركوا أن انقاذ المسجد الأقصى من المخطط الجهنمي إنما الآن وقته، و ليس فيما بعد. على الجميع أن يدركوا بأنه كلما أحرز التطرف الصهيوني و«اسرائيل» المزيد من النجاح والتقدم في سياسة الإجهاز الكامل على الشعب الفلسطيني وعلى الضفة الغربية، ازداد الخطر الفعلي على المسجد الأقصى. الوقفة أوانها الآن وليس غداً، ليس أبداً عندما تضع « اسرائيل» العالم أمام الأمر الواقع. |
|