|
شؤون سياسية أم أن التحليل الفريد الذي ابتدعته وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية الآنسة (كونداليزا رايس) معتبرة أن الأحداث العاصفة التي يصلى لبنان جحيمها هي الإرهاصات المبشرة بولادة الشرق الأوسط الجديد هو الذي جعل الصورة مشبعة بذرات الضباب في أذهان هؤلاء فلم يجدوا أمامهم إلا هذا التفسير الذي قد يعينهم في فهم أسباب هذه الحرب الظالمة, التي كادت تنهي شهرها الأول حاملة معها الفتك بالأبرياء وارتكاب المجازر وتدمير البنية التحتية للبنان الذي طالما دفع ثمناً فادحاً لتدخل الأصابع الاسرائيلية في شؤونه?!. لسنا بصدد تناول الدوافع المباشرة التي قادت اسرائيل إلى هذه المغامرة الحمقاء في لبنان لتجد نفسها تغوص في رماله المتحركة لأن همود آلة العدوان بعد أن تجد اسرائىل نفسها مرغمة على إيقافها لعجزها عن تحقيق هدف واحد من الأهداف التي حلمت دولة الحقد على الإنسانية بتحقيقها, سيتيح المجال لمعرفة خفايا الحرب ودوافعها وكيف تم التخطيط المشترك بين واشنطن وتل أبيب لإضرامها. الحقيقة التي يجب استقاء الدروس منها لمعرفة التعامل مع الكيان الصهيوني الغاصب حاضراً ومستقبلاً إن اسرائيل منيت بهزيمة مدوية لن تستطيع إنكارها مهما ادعت أنها حققت انتصارات حاولت من خلالها إقناع مواطنيها أن هذه الحرب كانت مبررة ولم تكن قفزة في المجهول. الدرس الأول وهو على درجة كبيرة من الأهمية أن (اسرائيل) ليست تلك القوة المرهوبة الجانب التي تستطيع أن توقع الهزيمة بالأمة العربية حتى لو اجتمع أبناؤها على كلمة واحدة في مواجهة اسرائيل. لقد بدت اسرائىل خلال المواجهات الطاحنة مع أبطال المقاومة الوطنية اللبنانية كياناً هشاً عاجزاً عن مواجهة رجال أشداء مؤمنين بعدالة قضيتهم, مستعدين لتقديم كل ما يملكون دفاعاً عن طهر ترابهم. وقد تجلت هشاشة اسرائىل في إفراغ شحنات حقدها على الأبرياء فارتكبت المجازر في قانا والبقاع واتجهت بثقلها العسكري لتدمير البنية التحتية في لبنان, فعلت ذلك كله في محاولة يائسة منها لخلق انتصار عسكري وهمي تكذب به على مواطنيها بعد أن أوهمتهم آلة الإعلام الاسرائيلي الهائلة أن تأديب رجال المقاومة ليس أكثر من نزهة ممتعة سيقوم بها الجنود الاسرائيليون وضباطهم, لكن عودة هؤلاء محملين في النعوش وبقاء العديد منهم متناثرين جثثاً هامدة وعجز كيانهم عن إجلائهم من أرض المعركة, كل ذلك كشف زيف ما ادعته اسرائىل, وأيقظ الرأي العام الاسرائيلي على الورطة التي قذفت اسرائىل بمواطنيها في خندقها. الدرس الثاني لا يقل أهمية عن الدرس الأول ويشير إلى أن المقاومة الوطنية اللبنانية رسخت شرعيتها في قلوب وعقول اللبنانيين على اختلاف مللهم ونحلهم وفي ذلك قطع للطريق على كل متشدق بأن هذه المقاومة ليست أكثر من ميليشيا يجب نزع سلاحها. لقد كان اللبنانيون قلباً واحداً يهتف ببطولة المقاومة في التصدي للعدوان الاسرائيلي الغادر. أما الدرس الثالث فيستفاد منه استمرار رفض الجماهير العربية لاسرائىل كياناً غريباً على الأمة ليس له مكان بين أبنائها وتجلى ذلك في المظاهرات والمسيرات العفوية التي اجتاحت الوطن العربي داعية إلى الوقوف مع اللبنانيين في محنتهم, ووضع حد للعربدة الاسرائيلية, وهذا إنذار لكل مهرول ينادي بالتطبيع مع اسرائيل مغتصبة الأرض والحقوق أن دعوته لن تلقى آذاناً صاغية من الجماهير العربية. والدرس الرابع أظهر أن سورية ولبنان شعب واحد في دولتين وهذه الحقيقة لا مراء فيها وقد شعر اللبنانيون أنهم بين أهلهم ولم يولوا وجوههم إلا شطر الشعب العربي السوري الذي فتح لهم قلبه قبل فتح بيته, ولمس العالم عمق الجذور التي توحد بين هؤلاء الأشقاء في البلدين الشقيقين. أليس هذا الوداد الصادق أقوى من العلاقات الدبلوماسية التي يلهث وراء إقامتها من له مصلحة في تكدير صفو العلاقة بين سورية ولبنان ولن يفلح في مسعاه الخبيث? أما الدرس الخامس والأخير والأهم فيجب أن يكون جرس الانذار الذي قرع بعنف ومن المفترض أن يوقظ العرب بالعودة إلى الوحدة العربية بعد أن أعلن أعداء الأمة أنها قضت نحبها في زمن العولمة وسقوط حدود القوميات وفشل الفكر الوحدوي, لقد أظهرت الحرب الاسرائىلية على لبنان أن المستهدف بها حاضر الأمة ومستقبلها, الهدف كان تكريس تمزق الأمة والإطاحة بفكرة اجتماع العرب في السراء والضراء وإن كان اجتماعهم في الضراء هو الأكثر أهمية. المقاومة الوطنية اللبنانية قبس متوهج في سماء العروبة أضاءت معالم الطريق لأمة ينبغي أن تستعيد توازنها من جديد وتقف على قدميها لتواجه عدواً شرساً تقف وراءه امبراطورية يقودها اليمين المتصهين , وحري بأولئك الواقفين على أبواب البيت الأبيض في انتظار الحصول على نزرتها يجود به من فئات أن يتذكروا أنهم لن يعودوا إلا بخفي حنين وحبذا لو اعتمدوا على الجماهير العربية فهي خير وأبقى. |
|