|
شؤون سياسية ولكن هل يعتبر مصطلح (الحرب) المستخدم حالياً ملائماً? يبدو اليوم تعبير (حملة اسرائىلية) أكثر ملاءمة وانسجاماً مع الأحداث الجارية في شمال اسرائيل. فعلى غرار ما حدث عام ,1991 يستخدم المجتمع الإسرائىلي المدني الآن كلمة (الحرب), بعد أن أصبح تحت هجوم صواريخ وقذائف, دون أن تعني تلك الحالة, إصابة الطرف المعادي بخسائر فادحة. ووقع الاختيار على استخدام كلمة (الإرهاب) لتكون الأساس في ذلك الصراع. وجرى تصنيف ضربات حزب الله, والتي تستهدف دوريات الجيش الإسرائيلي بقائمة (الضربات الإرهابية) بينما هي مجرد عمليات كلاسيكية لمجموعات مقاومة تعتمد تكتيك حرب العصابات. وقاد التعرض لمثل هذه الضربات لأعوام طويلة, الحكومات الإسرائىلية على استخدام مفرط لذلك المصطلح, وتصنيف أي عملية وضربة ضدهم, ولو كانت بحجم بسيط بالإرهاب, كما وأتاح استخدام كلمة (مرعب) للحكومة الإسرائىلية والمؤسسة العسكرية إخفاء فشل عسكري ذريع, وكذلك تجيش الرأي العام الإسرائيلي لكسب تأييده في ردود فعل كبيرة وغير متكافئة. وبعد وهلة من حملة قصف اسرائىلي مكثف على لبنان, أظهر القادة العسكريون والسياسيون والإسرائيليون عجزهم عن تحديد أهدافهم السياسية لعمليتهم تلك بشكل واضح ودقيق, وأطلقوا العنان لأنفسهم, والذهاب إلى حد إطلاق تصريحات من نوع (سنعيد لبنان عشرين عاماً إلى الوراء).(سنسحق حزب الله). ونسوا أنهم في عام 1992 لم يتمكنوا لا من إقصاء منظمة التحرير الفلسطينية ولا من اغتيال الزعيم ياسر عرفات. وكذلك الأمر في عام 1956 فشلت اسرائىل خلال حملتها العسكرية على مصر, بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا في خلق نظام شرق أوسطي, أو في اغتيال الرئىس جمال عبد الناصر, ومن الضروري الآن تحليل الخطاب الذي وجهه حزب الله عبر ضرباته المفاجئة, والتي لم ترد عليها اسرائيل, إلا كعادتها دوماً برد يعلوه غطرسة جوفاء. فقد تحركت اسرائىل مدفوعة بغضب قواتها العسكرية, عقب الهجوم الذي شنته حماس, وبعدها حزب الله, حيث تمكنوا من مفاجأة الجيش الإسرائىلي, وأوقعوا به خسائر فادحة. وبسبب افتقاد كل من أولمرت وبيريتس إلى الخبرة الكافية في منصبهما الراهنين, وعدم تمتع أي منهما بقدرات سياسية إلى جانب خوفهما من افتقاد الدعم الشعبي لهما, لم تكن الرسائل التي أرسلتها إسرائىل عبر ضرباتها تحمل أي معنى سياسي, بل كانت وحشية وحسب. فهل حركة حماس وحزب الله بحاجة إلى هذه الرسالة العدوانية ليعلموا أن اسرائىل تتمتع بقوة إقليمية فائقة? بالتأكيد لا يحتاجون إلى ذلك, لأن استراتيجيتهم المستندة على حرب عصابات تعتمد في الأساس على عدم التوازن القائم بين جيش نظامي وعدو يمكن النيل منه وكذلك غضب شعبي ضد هذا العدو. ذلك الغضب الذي دعا ماوتسي تونغ إلى تسميته (البحر الذي يسبح به المقاتلون). بالطبع إن رد الفعل غير المتكافئ لن يعيد لإسرائىل قدرتها الردعية العسكرية. ورغم أن اسرائىل تستهدف في ضرباتها المدنيين القريبين من حدود المعارك سواء في فلسطين أم في لبنان, إلا أن أهدافها مختلفة في الجبهتين. على الجبهة الفلسطينية تعتمد اسرائيل في توجهها على السياسة الإحادية, أي إن اسرائىل تتخذ بمفردها القرارات, دون الرجوع إلى أي مفاوضات. وتلك السياسة الأحادية الإسرائىلية, لا هي بالتكتيك ولا هي بالاستراتيجية, وإنما ذهنية تسيطر على العقل الجماعي الإسرائىلي. إن معركة إسرائيل في غزة تهدف إلى حفظ مفهوم الأحادية. وقد كرس انتصار حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية, وكذلك عملياتها العسكرية فشل هذا المفهوم. ولم يكن يريد شارون من انسحابه من المستوطنات في غزة الصيف الماضي سوى إعطاء الانطباع بأنه لا يوجد تنسيق مع الفلسطينيين. ولكنه بات واضحاً, وبعد عام من الانسحاب أنه وإن أفلح شارون في إحراز نجاح تكتيكي غير متوقع, فإن أولمرت كذلك يتطلع إلى إحرازه على الصعيد الاستراتيجي, إذ ومن خلال الإعلان عن أن احتلال غزة انتهى مع الانسحاب من المستوطنات, فإن اسرائىل تتطلع إلى تحقيق سابقة بضم مناطق من الضفة الغربية, وبالتالي عزل غزة عن الضفة الغربية, وضمان السيطرة عليها من الخارج. وطرح نجاح حركة حماس في تنظيمها لعملية عسكرية استطاعت من خلال قتل جنديين وأسر آخر مشكلة عويصة أمام الحكومة الإسرائىلية. إذ لا يمكنها في الواقع العمل من موقعها الأحادي الجانب في الضفة الغربية, في وقت يتكرس كل يوم أكثر فأكثر فشلها الذريع في غزة. ومن المؤكد أن تبادل تلك الرسائل والضربات لن تلقى نهاية سعيدة, فالخسائر الجسيمة التي يسجلها الطرفان كتبت بالدم صفحات جديدة من تلك المأساة. كما وإن إسرائىل بعيدة سياسيا عن إحراز أي نصر جلي في حربها في الشمال. إذ ليس في وسع اسرائيل إنهاء حزب الله. وكلما قتلت اسرائىل المزيد من المدنيين وهجرت المزيد من السكان, ازداد غضب الشارع العربي, وبالتالي إن الحرب ليست بالوسيلة الكفيلة لتحقيق الأمن والسلام. وحينما تنتهي المعارك بين اسرائىل ولبنان, وتتوجه الأنظار كلياً نحو الجبهة الفلسطينية, ثمة وقت كاف لاستخلاص العبر من الفشل الذي منيت به سياسة اسرائىل الأحادية الجانب. وقد بات من الضروري, بعد انهيار المسار التدريجي لاتفاقيات أوسلو, والمباحثات حول الوضع النهائي عام ,2000 وفيها رفضت اسرائىل المبادىء الأساسية التي اقترحتها الأسرة الدولية, وكذلك فشل السياسة الأحادية الجانب, بات من الضروري التوجه إلى إجراء تغيير في سياستها.فبدلاً من فرض حل اسرائيلي على الفلسطينيين يتعين إجراء مباحثات حول الوضع النهائي ضمن إطار يستند على استحقاقات الشرعية الدولية, ودعم حقيقي من قبل مجتمع الطرفين. ويمنح ذلك الإطار اتفاقية جنيف, وكذلك (باروقير الرئىس كلينتون) عام 2000 والقرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن عام 1967 والقرار رقم 194 عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة لعام ,1949 الشرعية المطلوبة. ˆ بقلم: مناحيم كلاين كاتب إسرائيلي |
|