تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المستوطنون.. نحو مزيد من التطرف والعنصرية

شؤون سياسية
الأحد 28-2-2010م
غالب محمد

من الخفة بمكان التعاطي بجدية مع التقسيم الدارج للأحزاب الصهيونية، ما بين قوى يمين ويسار، ليس فقط بالمعنى الأيديولوجي الطبقي وإنما كذلك وفقاً لمواقف ومقاربات هذه القوى

للصراع مع العرب والفلسطينيين والحلول التسووية، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أن الحكومة الحالية هي من أكثر الحكومات تطرفاً بل أكثرها على الإطلاق عنصرية في تاريخ الكيان الصهيوني وذلك وفق معطيين رئيسيين.‏

الأول ضمها لقوى ورموز وشخصيات تجاهر بعنصريتها وعدوانيتها، والثاني يتعلق برؤاها وتطلعاتها وتوجهاتها وبرامجها الساعية إلى استكمال تصفية القضية الفلسطينية عبر الانقلاب الكامل على مرجعيات التسوية التي وافقت عليها الحكومات التي سبقتها، ومواصلة عمليات الاستيطان والتهويد ولاسيما في مدينة القدس التي يعمل على إخراجها نهائياً من دائرة التداول السياسي كونها «العاصمة الأبدية لإسرائيل».‏

واستكمال بناء جدار الفصل العنصري ومطالبة الفلسطينيين والعرب بالاعتراف بالكيان الصهيوني كـ «دولة يهودية» وأخيراً عرض وقف الاستيطان مؤقتاً، وبالاستثناءات والاشتراطات المعروفة للالتفاف على الموقف الأمريكي والدولي الذي كان يطالب بوقف الاستيطان بكافة أشكاله كونه «غير شرعي وغير قانوني» وللالتفاف على جنوح بعض الفلسطينيين نحو التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لترسيم حدود «الدولة الفلسطينية المستقلة» على حدود الرابع من حزيران عام 1967.‏

البعد الآخر في رؤى وبرامج حكومة العنصري نتنياهو التي تحاول السير عكس سير الرياح الإقليمية والدولية المتجهة وبقوة نحو تغيير موازين القوى العالمية بعد انفجار بركان الأزمة المالية العالمية وارتدادات ذلك على الاقتصاد الأمريكي الذي يمر بأزمة تكاد تشبه أزمة الركود الاقتصادي لعام 1929، وتراكم الإخفاقات الأمريكية التي تسببت بها سياسات إدارة بوش السابقة سواءً في أفغانستان أم العراق أو حيال الملف النووي الإيراني، ناهيك عن انحسار القدرة على التأثير في العديد من دول العالم، هذا البعد يتصل اتصالاً وثيقاً بهذه المتغيرات ولاسيما على الصعيد الإقليمي.‏

هذه المتغيرات التي زادت من منسوب المخاطر التي تطلق هواجس الوجود في الكيان الصهيوني ولاسيما بعد نتائج حرب تموز عام 2006 على لبنان وانكشاف الداخل الصهيوني على صواريخ «حزب الله» حيث بدا جلياً أن ثمة خطراً وجودياً وازناً يجثم على حدود «إسرائيل» الشمالية ترتفع وطأة تهديده باستمرار.‏

وعلى خلفية هذا الواقع الذي يدب على الأرض كان ثمة توجه أشمل وأكثر عمقاً يطول مجمل مكونات الكيان الصهيوني الذي يتجه نحو مزيد من التطرف والعنصرية وفرض نظام الأبارتيد، ليس فقط على صعيد السياسة المتبعة حيال الفلسطينيين سواء على صعيد التهويد ومصادرة الأراضي ومصادرة الحقوق وتغيير معالم القدس المحتلة أم في نطاق التشريع والتنفيذ ووأد أي إمكانية لتسوية سياسية مقبلة وإنما أيضاً لجهة الهرولة باتجاه اسقاط القناع العلماني المتكلف وفق ما يقول جدعون ليفي في صحيفة «هآرتس» الذي تتلفع به أغلبية الصهاينة وتسارع الخطا نحو «الدولة اليهودية» ليس بالمعنى السياسي الذي يستلزم اتخاذ إجراءات معينة ضد الفلسطينيين وجغرافيتهم بل كذلك بالمعنى الديني التوراتي الشرعي الذي دعا إليه وزير العدل يعقوب نئمان قبل مدة قصيرة.‏

دلائل تجليات هذا التوجه كانت عديدة وبارزة في الآونة الأخيرة، بدءاً بمسرحية «تجميد الاستيطان» في الضفة إلى انتظار هدم منزل فلسطيني في القدس الشرقية بناءً على أوامر قضائية صدرت بحقها في إطار سياسة تهويد المدينة والتطهير العرقي للمدينة المقدسة ومروراً بقرار الحكومة تخصيص اعتمادات مالية بقيمة 28 مليون دولار للعديد من المستوطنات مثل «ألون مورية» و «تاكوع» و «نوكديم» وغيرها.‏

والمطلوب هو أن تندرج هذه «الكتل الاستيطانية» في خارطة «إسرائيل الجديدة» التي ستبتلع الأكاذيب المتعلقة بإمكانية الموافقة على دولة فلسطينية ما، وصولاً إلى تصويت الكنيست بالقراءة الأولى على ما سمي بـ «قانون الاستفتاء الشعبي» الذي يقيد الحكومة والكنيست في حال إقراره بالقراءتين الثانية والثالثة وبمنعهما من تمرير أي انسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة دون موافقة وتأييد 80٪ من المواطنين.‏

وفي مقابل هذه الإجراءات الحكومية عمد المستوطنون ومنظماتهم على تصعيد اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين تحت شعار «جباية الثمن» أي ثمن «التجميد» يساندهم في ذلك عدد من الحاخامات، من نمط حاخام مستوطنة «يتسهار» يوسف إليتسور الذي كتب مقالة أبدى فيها تأييده للاعتداءات على الفلسطينيين وكذلك الحاخام الأكبر عو فاديا يوسيف الذي يعتبر أهم مرجعية دينية في الكيان زعيم حزب شاس وله «نائب في الكنيست» حيث دعا وخلال درس ديني وفقاً لصحيفة معاريف إلى قتل العرب دون أن يتعرض لأي مساءلة قانونية أو سواها رغم أن أقواله هذه تندرج في إطار التحريض العنصري والفعل الجنائي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية