تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


السطو على التراث الفلسطيني.. خطوة لترسيخ يهودية الكيان الإسرائيلي

شؤون سياسية
الأحد 28-2-2010م
د. ابراهيم زعير

أقدمت الحكومة الإسرائيلية، مجدداً، على إجراء إجرامي جديد بضم الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة وقبر بلال الذي تسميه «إسرائيل» «قبر راحيل» في مدينة بيت لحم، إلى قائمة المواقع التراثية التي تدعي «إسرائيل»

بأنها من التراث اليهودي ووعد نتنياهو باتخاذ خطوات أخرى بينها ضم ما تسميه «إسرائيل» قبر النبي يوسف في مدينة نابلس. ولائحة نتنياهو حول المواقع التاريخية الإسرائيلية «التي يجب الحفاط عليها» لم توضع بشكل نهائي بعد؟! وقال نتنياهو: إن وجودنا كدولة ليس مرتبطاً بالجيش فقط، أو بمناعة اقتصادنا، وإنما في تعزيز معرفتنا وشعورنا القومي الذي سننقله للأجيال المقبلة وفي قدرتنا على تبرير ارتباطنا «بإسرائيل» وقبل الحديث عن هذا القرار الذي لم يكن فريداً في تاريخ هذا الكيان ولن يكون الأخير، لابد من الانتباه إلى أن مجلس وزراء إسرائيل خصص نحو مئة مليون دولار للحفاظ على 150 موقعاً أثرياً لربطها بمسار تاريخي توراتي مشترك على امتداد فلسطين المحتلة، ولم يتوان المستوطنون اليهود في التعبير عن فرحتهم بهذا الإنجاز التاريخي لحكومتهم العتيدة، فسارعوا لاقتحام المكان المستولى عليه وأدوا طقوساً دينية فيه، واضطروا بعد ذلك للانسحاب بحماية جيشهم والأنكى أيضاً أن المستوطنين اقتحموا مدينة أريحا، بذريعة أنهم راغبون بالوصول إلى كنيس قديم في المدينة.‏

وهذا القرار الخطير الجديد لحكومة الاستعباد الصهيوني الإسرائيلي صدر بمناسبة الذكرى 16 لمجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها المستوطن باروخ غولد شتاين في 25 شباط عام 1994 والتي أدت إلى سقوط 29 شهيداً فلسطينياً في داخله أثناء تأديتهم صلاة الجمعة. هذه هي «إسرائيل» كما نعرفها ويعرفها العالم، لا تقيم وزناً ولا قيمة ليس فقط للتاريخ الإسلامي والعربي، ونقول ذلك لأن من لديه وزناً أو حتى قيمة لما يعتقده حتى لو كانت أساطير ليس لها أساس في الواقع المزيف توراتياً، لكان احترم معتقدات الآخرين الدينية والإنسانية ثم إن أي آثار أو أوابد تاريخية أو دينية تصبح ملكاً للإنسانية وتراثاً ثقافياً للشعب الذي أنتج هذه الأوابد والآثار التاريخية، وبالتالي الاعتزاز بها هو اعتزاز بالإرث الإنساني الذي انتجته الحضارة القديمة لهذا الشعب أو ذاك، وأي محاولة لطمس حقائق التاريخ والهوية الحقيقية لهذه القيم الثقافية المرتبطة بالهوية القومية لشعبنا العربي، والتي من المفترض أن يعتز بها جميع البشر المؤهلين لفهم الدور الحضاري للعرب في التاريخ الإنساني ولكن من سخرية التاريخ الحديث والمعاصر، أن الغرب الاستعماري الذي أقام في هذا الجزء المقدس من المنطقة العربية، فلسطين، قطعاناً من اليهود المنساقين بفعل التأثير الإيديولوجي للصهيونية إلى فلسطين من أوطانهم الأصلية في أوروبا، لم يدركوا حتى الآن، أن ما تورطهم به آلة الدعاية الصهيونية التضليلية سينعكس عليهم بشكل كارثي بفعل محاولاتهم الفاشلة لاغتيال التاريخ الحقيقي للشعب الفلسطيني لأنه في عصرنا وخلافاً لكل العصور السابقة، بات من غير الممكن تزييف ما هو كائن بفعل التاريخ الفعلي للشعوب، ومهما حاولت الحكومات الإسرائيلية المصابة بخيبة أمل عميقة وشعور بالفشل الداخلي بتسويق مشروعها الصهيوني حتى النهاية، في فلسطين والمنطقة ستجد نفسها عاجلاً أم آجلاً وفي الأفق المنظور أن محاولاتها ليست فقط باطلة ومزيفة وإنما كمن يركض وراء السراب، لأنها في نهاية الأمر غير قادرة على إثبات ما هو غير مثبت لها تاريخياً وتراثياً وثقافياً، وما تصدره من قرارات، يبرهن أنها في مرحلة الاحتضار الذاتي، الذي تعتقد أنها قادرة بواسطة هذه القرارات تأجيله إلى ما لا نهاية، ولن نتحدث عن القرارات الدولية التي لا يباح لغير «إسرائيل» استباحتها وبشكل لم يسبق له مثيل، ولكن هذه السلوكية الإسرائيلية المرتكزة على حماية غربية أمريكية خاصة تبرهن أيضاً أن الغرب عندما أقام «إسرائيل» أقامها لتقوم بوظيفة محددة خدمة لمصالحه الاستراتيجية في المنطقة، و«إسرائيل» يمكن أن تفقد هذه الوظيفة لمجرد أنها تمكن العرب بقوتهم الذاتية من إبطالها، وهذا ما تفعله اليوم المقاومة والصمود الوطني لسورية العربية، وربما التمعن قليلاً بكلام نتنياهو المشار إليه في المقدمة، يبرهن على هذه الحقيقة عندما قال في نهاية قراره: «وفي تبرير ارتباطنا بإسرائيل».‏

فوجوده كدولة ليس مرتبطاً بالجيش فقط، وهو كاذب بذلك ولابمناعتنا الاقتصادية، وهو هنا أيضاً كاذب، لأن «إسرائيل» كيان قائم منذ البداية على الارتباط بالحرب والقدرة العسكرية والدعم اللامحدود مادياً واقتصادياً من أميركا والغرب عموماً.‏

فهو كيان هش في بنيته الداخلية ومصطنع في هياكله الديمغرافية والسياسية ومثل كيانات كهذه غير قابلة للحياة لأنها ليست قوة بحد ذاتها لافتقادها عناصر الوجود التاريخي والجذور العميقة في تراب هذه الأرض الغريبة عنها أصلاً وإدراكها لهذه الحقيقة يجعلها ترتعد خوفاً وشعوراً بالغربة عن وطن اغتصبته بقوة الغرب العسكرية والتآمرية لذلك غير قادرة بحكم وظيفتها التي أخذت بالتآكل من أن تكون شريكاً في سلام تفتقده داخلياً وإيديولوجياً وبمجرد أن تشعر بأن العرب باتوا في وضع مؤهلين فيه لاستعادة الحقوق المغتصبة بقوتهم الذاتية العسكرية والاقتصادية والتضامنية، سيكون مصير هذا الكيان في مرحلة الأفول النهائي أو يرغم على تغيير طبيعته العدوانية وهذا على الأغلب وهم غير قابل للحياة، لأنه سيفقد هويته التي قام على أساسها كخادم للاستعمار العالمي!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية