تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


النيجر في دائرة الاهتمام الأميركي

شؤون سياسية
الأحد 28-2-2010م
د. حيدر حيدر

النيجر من أفقر دول العالم، رغم غناها باليورانيوم والغاز، وهذا يفسر إلى حد كبير الاهتمام الواسع أميركياً وأوروبياً بالانقلاب الذي أطاح بالرئيس مامادو تانغا، من قبل العسكريين

الذين شكلوا مجلساً عسكرياً لإدارة البلاد، ووعدوا بإجراء انتخابات لم يحددوا تاريخاً لإجرائها إلى الآن... وبالفعل فقد لقي الانقلاب تنديداً واسعاً من قبل فرنسا، وهي الدولة المستعمرة للنيجر سابقاً، وكذلك من قبل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد علق الاتحاد الإفريقي عضوية النيجر فيه وطلب عودة الوضع الدستوري إلى ماكان عليه قبل تعديلات أدخلها الرئيس المخلوع في آب 2009.‏

وقد سارعت دول مثل الجزائر وليبيا، وهما دولتان مجاورتان لهذا البلد الإفريقي إلى إدانة الانقلاب، وطالبتا بعودة سريعة إلى الحياة الدستورية، علماً أن ليبيا أرسلت مبعوثاً لضمان عدم تعرض الرئيس تانغا للأذى ورغم أن مبعوثي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي تلقوا تطمينات من الانقلابين بأن هناك فترة انتقالية قصيرة، هي التي ستقود إلى دستور جديد للبلاد.‏

إلا أن اللافت للنظر هو تصريحات المسؤولين الأميركيين، ومن بينهم مساعد لوزير الخارجية الأميركية الذي صرح بأن الانقلاب ربما أطلق عليه تجديد ديمقراطي، مشيراً إلى أن بلاده فرضت عقوبات على النيجر العام الماضي وأن هذه العقوبات قد ترفع إلى عمل الانقلابيين على استعادة الديمقراطية بسرعة بخطوات مثل الحوار مع زعماء المعارضة، وتشكيل حكومة انتقالية مدنية، ودعوة مراقبين دوليين للإشراف على الاستعدادات للانتخابات.‏

واضح أن واشنطن بمغازلتها للانقلابيين ووعودها برفع العقوبات المفروضة على النيجر في عهد الرئيس المخلوع محمد تونغا، في حال سار الانقلابيون وفق الهوى الأميركي، هذا الموقف الأميركي المختلف عن مواقف بقية دول العالم، يشي بأن الولايات المتحدة تحضر لإعادة صياغة نظام الحكم في هذا البلد الإفريقي الفقير وفقاً للمصالح الأميركية، وبالفعل تسعى الولايات المتحدة إلى زيادة نفوذها في القارة الإفريقية، ومن المعلوم أيضاً أن هناك صراعاً أميركياً - فرنسياً على توسيع النفوذ في القارة التي شهدت أنواع الاستعمار كافة، وعانت وتعاني من سياسات الهيمنة الغربية التي جعلتها أفقر القارات في العالم وأكثرها تخلفاً.‏

إذاً واشنطن لاتخفي رغبتها في توسيع تواجدها العسكري في افريقيا وتأمين مصالحها ومواجهة أي نفوذ آخر، وخاصة النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء وهكذا يتضح أن دعمها المبطن حيناً والواضح في أحايين كثيرة للانقلاب في هذه المستعمرة الفرنسية السابقة، يظهر بجلاء أن الصراع الأميركي مع دول أخرى على النفوذ والثروة في القارة الإفريقية بلغ أوجه، وأن واشنطن لن تفرط في نفوذها المتزايد ومصالحها الاقتصادية والعسكرية في النيجر وفي غيرها من البلدان الإفريقية.... وهكذا فإن الموقف الأميركي الأخير الداعم للانقلابيين في النيجر، سيكون له ثمن، وهي تنتظر قبضه من حكام النيجر الجدد، وهذا يعني أن الولايات المتحدة التي تبحث عن بلد يقبل باستضافة مقر القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا، الذي يطلق عليه أفريكوم والذي تنوي نقله من ألمانيا إلى قلب القارة الإفريقية، وهكذا يبدو أن النيجر يمكن بحسابات واشنطن أن تكون المكان الملائم لمقر هذه القيادة في افريقيا، بعد أن رفضت معظم دول المنطقة احتضان مقرها.‏

وبهذا يمكن إيجاد التفسير المنطقي لدعم أميركا للانقلاب واستعدادها لرفع العقوبات المفروضة على هذا البلد الإفريقي الفقير في حال نفذ الحكام الجدد مطالبها المغلفة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى آخر هذه المعزوفة الاستعمارية السمجة.‏

وهذا يدل أن التنافس الاستعماري على ثروات القارة متواصل، بل ويشتد وخاصة أن الولايات المتحدة لاتريد فقط إبعاد بقية الدول الاستعمارية عن المنافسة الاقتصادية مع شركاتها الناشطة في إفريقيا فقط بل وتريد أكثر من ذلك الهيمنة المطلقة على القارات الإفريقية بثرواتها وطرق نقلها وكذلك العودة إلى الحكم الاستعماري المباشر عن طريق التدخل العسكري والتهديد باستخدام القوة العسكرية عن طريق أفريكوم.‏

وهكذا فإن الاستراتيجية الأميركية تسعى لتعزيز الطوق الأميركي على إفريقيا والمنطقة العربية، فالقوات والأساطيل الأميركية تطوق القارة الإفريقية، كما أنها تراقب مداخل المحيط الهندي والبحر الأحمر وبحر العرب، ولاننسى تواجد الأساطيل الأميركية في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.‏

وهكذا فإن واشنطن تسعى لإحكام قبضتها العسكرية والاقتصادية، ومن هنا نفهم تأييدها لانقلاب النيجر عكس مافعلته بقية دول العالم التي نددت واستنكرت وطالبت بعودة الحياة الدستورية إلى هذا البلد الافريقي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية