|
ترجمة بل إن الوزير خرج عن طوره للإطراء علناً على أشكنازي، علامة على أن الاثنين يفضلان تبريد شجار الشارع الذي جرى إليه قبل أكثر من أسبوع، بعد المماحكّة بين مستشاريهما. سيظل شيء ما من سوء الوضع بين المكتبين كما يبدو. هذا حكم سنة رابعة في ولاية رئيس هيئة الأركان التي قد تمتد لسنة خامسة. كان أشكنازي يفكر هذا الأسبوع في سؤال كيف يدور الفلك، إزاء التطورات المعلنة لقضية الاغتيال في دبي (إذا كان الحديث حقاً عن عملية إسرائيلية)؟ منذ زمن غير بعيد، عندما لم تتم الأمور في شعبة الاستخبارات في هيئة القيادة العامة على نحو سوي بالضرورة، زعموا في الجيش أنهم في سائر الجهات الاستخبارية يصعب عليهم محو ابتسامات الشماتة. ليس هذا لطيفاً، لكن في المنافسة الداخلية الكثيفة التي تتم في الموارد، والمكان قرب أذن رئيس الحكومة تكون خسارة منظمة استخبارية أحياناً مصدراً لمكسب ما لمنظمة أخرى. في عالم تتسرب فيه الصورة المنفوخة أحياناً من مجال الإعلام إلى الواقع، بل قد تملي انطباع القادة، البعد بين المدائح المفرطة للرجال الأعلين الإسرائيليين وبين الإلصاق المتسرع لوصمة الإهمال يمكن أن يكون قصيراً جداً. في الحساب النهائي لاغتيال محمود المبحوح في دبي، سيأخذ في الحسبان الإنجاز نفسه قياساً للأضرار التي قد تحدث، فيما يأتي نتاج المهارة المذهلة التي كشف عنها المحققون من شرطة دبي (الصعوبة التي سببت للإسرائيليين ذوي جوازات السفر الأجنبية الذين قد تكون هويتهم سرقت). في الآثار البعيدة المدى للقضية قد يشتمل أيضاً على قضيتين فرعيتين: التوتر مع بريطانيا وفرنسا، وهما دولتان مركزيتان تقبلان تماماً التفسير الإسرائيلي المتعلق بإيران والتحركات في نظام القوى في القيادة الإسرائيلية قبيل النقاش في المستقبل، السؤال ما الذي يجب فعله لمواجهة التهديد الذري من طهران؟. مزاج سيئ إذا كان شخص ما زال يشك، فقد أتت زيارة رئيس الأركان الأمريكي لإسرائيل هذا الأسبوع والتصريحات التهديدية المتواترة من رئيس إيران والأمين العام لحزب الله وإزالته. تهب ريح سيئة الآن في الشرق الأوسط، وقضية اغتيال المبحوح التي حدثت على هامش السؤال الذي هو أهم، تزيد على ذلك. إذا بالغت الجماعة الدولية إلى مسار الصدام مع إيران وأعلنت فرض عقوبات صارمة عليها، فستكون شهور الربيع والصيف حساسة على نحو خاص، أكثر من المواجهة التي تجري اليوم بين إيران وإسرائيل. لا يمكن أن نرفض سيناريو فحواه أن يتصاعد هذا التوتر إلى حد حرب شاملة مكشوفة. قد يكون القليلون فقط يريدون ذلك، لكن تتبادل بين طهران واسرائيل رسائل تهديد في قنوات مختلفة. وقد تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، مع بيروت وغزة ودمشق في الوسط. في الوقت الذي تسخن فيه إيران الجو على عمد، تريد الولايات المتحدة أن تبرده قليلاً. والمثير للاهتمام هو أن العدوتين تقرأان على نحو عجيب الدور الإسرائيلي في هذه المرحلة من الدراما قراءة مشابهة. يبدو أنهما تعتقدان إمكان أن تفقد إسرائيل صبرها، وأن تمنح تفسيرات جديدة لسياسة «رب البيت جن جنونه» التي افتخرت بها حكومة أولمرت في جولتي العنف السابقتين في المنطقة، حرب لبنان الثانية وعملية «الرصاص المصبوب» هذه هي خلفية إعلام رئيس إيران محمود أحمدي نجاد بأن إسرائيل كأنما تعد لحرب في الربيع أو في الصيف القريب، (وقد رد رئيس الحكومة من الفور على ذلك بإنكار شامل) وتهديدات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في مهاجمة بنى تحتية إستراتيجية في إسرائيل. يبدو أيضاً أن هذا هو السبب الرئيس للقطاع الجوي من المسؤولين الأمريكيين الكبار الذين يزورون إسرائيل في المدة الأخيرة، ومنهم رئيس وكالة الاستخبارات المركزية ليئون فناتي، ورئيس مقار القيادة الموحدة الادميرال مايكل مالن، وفي الأسبوع المقبل نائب الرئيس جو بايدن. ترمي الزيارات إلى أن تبين لحكومة نتنياهو لماذا لا يراد هجوم إسرائيلي على المواقع الذرية الإيرانية في الوقت الحالي؛ لكنها تريد أن تستوضح أيضاً ما المطلوب لتستمر إسرائيل بالجلوس بهدوء، فلا تشوش على جهود إدارة أوباما لتأليف تحالف دولي لإعمال العقوبات. حط مالن هنا بداية الأسبوع، في أشد أيام الشتاء حراً، ومعه تحذير لا لبس فيه. بدأت الزيارة، على نحو شاذ، بحفل صحفي قصير في سفارة الولايات المتحدة في تل أبيب. امتد اللقاء 25 دقيقة وصحبته مصادمة ثقافية ما. فجزء من المراسلين الإسرائيليين، الذين استدعوا إلى اللقاء قبل ساعة، أتوا بقمص قصيرة. بدا واضحا على حضرة الادميرال أنه تفاجأ قليلا بروح العائلة، وكذلك بنغمة الأسئلة اللاذعة. مهمة تهدئة إن مالن، الذي توصف علاقاته الممتازة برئيس الأركان أشكنازي في إسرائيل على أنها ذخر أمني في نظام العلاقات بين الدولتين، قام بهذه المهمة من قبل في حزيران 2008. آنذاك أرسل إلى هنا، بأمر من الرئيس السابق جورج بوش، كي تكف إسرائيل عن مهاجمة إيران. حدث هذا بعد لقائين بين بوش ورئيس الحكومة آنذاك، ايهود أولمرت، ووزير الدفاع باراك، انطبع في نفس الرئيس فيهما إثر مطالب إسرائيلية شاذة وكأنه تحاك في إسرائيل خطط قصف. ثارت مشكلات مشابهة في علاقات الولايات المتحدة بإسرائيل قبل قضية إيران أيضاً. ففي مطلع 2003 زار وفد إسرائيلي واشنطن من أجل نقاشات استراتيجية، عشية الغزو الأمريكي للعراق. أراد الأمريكيون من إسرائيل شيئاً واحداً فقط وهو وعد بأن لا تهاجم العراق بنفسها حتى لو أطلق صدام حسين عليها سلاحاً كيماوياًً (نفس سلاح الإبادة الجماعية الذي تبين بعد ذلك أن العراقيين ما عادوا يملكونه). رفض الإسرائيليون بأمر من رئيس الحكومة ارئيل شارون الإلتزام بذلك. بعد مضي أكثر من سنة، عندما أتى شارون نفسه ليزور البيت الأبيض، طلب إليه بوش التزام ألا تحاول إسرائيل اغتيال ياسر عرفات. ليكن واضحاً، لن نحتمل وضعاً يمس عرفات, قال الرئيس, ورد شارون: «أنا أفهم جداً» كرر الرئيس كلامه، لكن رئيس الحكومة أجاب بالصيغة نفسها، متهرباً من تقديم وعد رسمي. قبل تحذير أحمدي نجاد الأخير، كان يبدو للناظر أن الإيرانيين يلزمون خط تحرش على نحو خاص. في الأسابيع الأخيرة، ولا سيما منذ الإعلان بانتقال إلى تخصيب اليورانيوم، في مستوى 20 في المئة، لم يعودوا يجهدون أنفسهم إجهاداً خاصاً في استعمال غطاء برنامج ذري لأهداف سلمية، سوغوا به أعمالهم حتى اليوم. نيات طهران الحقيقية واضحة اليوم للجميع، من واشنطن إلى لندن إلى بكين. والقضية فقط أن الصينيين أكثر قلقاً من الخطر على تزويدهم بالنفط، من التهديد الإيراني ويرون رفض العقوبات وسيلة فعّالة في صراع القوة الذي يجرونه في مواجهة الولايات المتحدة. لولا أن أنهى محمد البرادعي، وهو المتعاون البارز مع الإيرانيين، عمله رئيساً للوكالة الدولية للطاقة الذرية لكان يمكن أن نتساءل أكان حتى هو قادراً على إنكار الصورة التي تبدو بوضوح؟ يجب أن نؤمل مع عدم وجوده أن يتسق سلوك الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المستقبل مع رؤية الولايات المتحدة وأن تشتد في النغمة في مواجهة إيران. بث حسن نصر الله من لبنان هذا الأسبوع رسالة أخرى من الملجأ تحت الأرض، في خطبة احتفالاً بالذكرى السنوية لاغتيال سلفه عباس موسوي ومسؤول المنظمة الكبير عماد مغنية. كان الأمين العام لحزب الله هو الذي هدد هذه المرة بعمل مشترك للرباعية- إيران – سورية – حزب الله – حماس) في مواجهة إسرائيل، لا إسرائيل أو الولايات المتحدة اللتان عرضتا معلومات استخبارية عن برامج كهذه. هذه جبهة امتنع الأعضاء فيها إلى اليوم عن رسمها بوضوح، في محاولة للحرص على وهم الاستقلال. في الآن نفسه عرض نصر الله الرد المخطط له على «مبدأ الضاحية» الإسرائيلية. إذا ضربت إسرائيل البنى التحتية في لبنان، قال: فسترد منظمته بتدمير مطار بن غوريون وبإصابات مباشرة لتل أبيب. قبل مهمة تهدئة مالن، قد يكون القلق المتصل بالخطط الإسرائيلية سابقاً لأوانه. ستختار إسرائيل الهجوم فقط كآخر ملاذ، بعد أن تفشل جميع الوسائل الأخرى. إذا واصلت إيران التخصيب ولم تنجح الولايات المتحدة في صوغ عقوبات حقيقية، أو إذا لم تصرف العقوبات بعد ذلك إيران عن طريقها، فإن ذلك يصبح مسألة أكثر صلة. في حالة كهذه، سيكون لإسرائيل قدر أكبر من الشرعية لعملية دفاع عن النفس، ولا يمكن أن تتهم أيضاً بإفشال الجهد الدبلوماسي. |
|