تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عرض (العاجزون)... يدين الاغتراب و أوهامه

مسرح
الأربعاء 20-6-2012
آنا عزيز الخضر

انطلق العرض المسرحي( العاجزون) من فكرة الاغتراب ،في صالة( مصطفى علي ) ليكون المحور و الموجه الأهم لكل القصص والذكريات ، إذ انطلقت منه محاور العرض الدرامية ،كما كان ملعب شخصياته،

حيث الاغتراب قدرها،وبالتالي يكشف عن المفارقات الواسعة والأزمات الوطنية والثقافية والمعضلات الاجتماعية ، وما يترافق معها من انكسارات وهزائم نفسية،فالشخصيات تجمعت من بلدان مختلفة ، و ركز العرض حول بحثها عن ذاتها، و قد اعتبرت نفسها فوق الواقع لتميزها الخاص وطموحها بالأفضل في كل المجالات ،انكسرت الآمال ، فذهب أصحابها ، يبحثون عن عوالم يجدون أنفسهم فيها،‏

فتجد كل شخصية ضياعاً يتضاعف في الغربة، حيث يخيم التهميش و الضياع والانحراف، عبر كل تفصيل من تفاصيل العرض بدءاً من الديكور الشحيح الغريب ،إلى الإضاءة المعتمة و انتهاء بحوار الشخصيات و عوالمها، و حتى بنيتها الدرامية و الذاتية ، وقد كان الصمت المطلق هو الوجه الأخر لإحباطهم ، يأتي من يستفزه، و يكسر ممانعتهم في إبقاء جروحهم الشخصية مختبئة، والتي نكأت رغم عنهم، لتكشف عن أعماق النفوس ،بعد أن تبلدت المشاعر والعقول ،و نسوا مشاكلهم و إنسانيتهم التي فقدوها في الغربة، و قد حملت كل شخصية عقدة نفسية، ترتبط مباشرة بتلك الانكسارات ،وكانت عقدهم تعكس تلك الهزائم بدقة، و بكل ما مر معهم من أحداث ،وقد عطبت أعماقهم الإنسانية بأشكال مختلفة، عرفناها بعد أن بدأت تلك الحوارات، بعد الصمت الطويل ،الذي شكل إطاراً درامياً و جواباً منطقياً، لأنه سيكون الأجدى، كنتيجة لمقدمات لن تؤدي إلا إلى هنا.‏

فكانت البداية مع إصرار إحدى الشخصيات باستنطاق الجميع ، بالهجوم على ذالك الصمت ، ويتبين أن محاولات بحثهم عن ذاتهم خارج الوطن ،حولتهم من أناس يسعون إلى كل ما هو نبيل تجاه الوطن و المجتمع و الإنسان، كل منهم إلى منحرف بشكل من الأشكال، وتنساب آلامهم ،عندما يستفزهم شبيههم في مسيرة الحياة و المصير، فتلك الشخصية، تطلب الإفصاح عن سبب عجزهم، فتتشابك القصص المؤلمة ،و تبدأ من تلك المرأة التي مات زوجها، بسبب مأساته و انكسار قضيته الوطنية ،التي عاش من اجلها، بعدها طلب منها ابن خالتها المجيء إليه،إلى أوربا كي تعيش الحياة و تعرفها عن قرب ،و إذا به يهيئ لها مطباً فظيعاً قاسياً ،ويجرها به إلى الانحراف ، يقودها إلى الدعارة و مهاو كثيرة ،و في النهاية تصل إلى ارتكاب جريمة ،من أجل الخلاص لكن بعد ماذا .....؟بعد أن خسرت إنسانيتها و انجرفت إلى الهاوية، حيث لم يبق موبقاً إلا و اقترفته، وبعد أن يروي الجميع حكايته و ضياعه،بدا أن كل شخصية تعاني وتختصر مشكلات لاتعد ولا تحصى.مع الاعتراف بكل ماحصل بحقها من ظلم،وبكل مااقترفته.ليبدو الحوار كأنه بوح يطلب الصفح. ‏

أما المرأة تروي حكايتها، بالتناوب مع ذاك الشخص الذي كسر صمت الجميع، فتتعادل المآسي ،كل منهم محبط داخلياً و نفسياً، يعترف بهزائمه بشكل جريء وخصوصاً أن كل واحد منهم، يحمل في داخله انكسارات فظيعة، فهو لم يخسر حلمه فقط، بل انجرف إلى ضياع تعاظم مع مرور الوقت، و قد حسب نفسه ،إنه يبحث عن بديل أفضل لوطنه، فكان الوقوع في مطبات قاتلة هو المصير ، هربوا من المشاكل فوصلوا إلى الانهيار، و قد حملت الشخصيات تطرفها، في كل فكرة آمنت بها، فكانت النتيجة وخيمة ، و قد وجهت كل عناصر العرض المسرحي إلى الاغتراب ،و لخدمة هذه الفكرة بدءاً من مكانهم الحزين الملجأ المعتم ،ثم حوار الشخصيات و جرأتهم التي كانت لها وظيفة درامية خاصة هنا ،حيث شكلت معادلاً درامياً، لما تجاوزوه من قيم ،ثم أداء الممثلين الذي أظهر تمكنهم و تعمقهم في عوالم شخصياتهم الخاصة،ما مكن العرض من بلورة الضياع في كل الاتجاهات.‏

حول الأسلوب الإخراجي و اختيار النص و المقولة تحدث مخرج العرض (مضر رمضان) فقال: يعالج النص انهيار المثقف ،و انهيار المفاهيم إلى درجة تم البحث فيها عن ملجأ خارج الوطن، و كانت أوروبا بالنسبة للكثيرين حلماً و ملجأً ،رأى فيها بعض من المثقفين، إعادة لتعريف ذاتهم، لكنهم فوجئوا، على أنها كتلة منهارة، ليس للإنسان فيها وجود إما قاتل أو مقتول ،أوحيت بذلك من خلال الديكور، والذي بدا كمغارة آيلة للسقوط ، وهي في الحقيقة ،تعاني من انهيار في المفاهيم و الشعارات ،و قد تقصدت اختيار ،هذا النص بسبب الأزمة التي يعيشها وطننا ، ففيه دعوة واضحة، كي يتحمل الجميع المسؤوليات،وخاصة المثقف ، لا أن يهرب من وطنه، أو يفكر بالبحث عن هوية له خارجه ،مهما عانى من وطنه ،لأنه لن يجد إلا الضياع و التهميش و التشوه ، فالمثقف مطالب بذلك أكثر من غيره ،و قد اخترت هذا النص أيضا لوجود شخصيات حملت التطرف السياسي و الديني، و الذي يؤدي إلى نهايات سيئة بالمطلق ،و بالنسبة للنص الأصلي لم يكن التغير إلا بهدف تعميم الفكرة بشكل اكبر و أوسع، و إن حمل العرض الجرأة ،لكن تم توظيفها في المكان الصحيح، فالجرأة بحد ذاتها، تتطلب الدقة و توجيهها بذكاء تحديداً عند التوجه إلى مجتمعنا ،و إن ركزت على قضية الثقافة كون المثقف قادراً على التحليل و تفكيك الجزئيات و التقاط الأبعاد ،من هنا فإن مسؤوليته تجاه الوطن اكبر، و يمكنني القول: إن الهروب من مشاكل الوطن هو خيانة للوطن ،و من يبحث عن ذاته خارج وطنه، فإن مصيره الضياع و الانهيار، و لن يحصل عليها أبداً، و ركزت على هذا الجانب ، على كل مسارات العرض المسرحي و محاوره ،كي أدين كل من يؤمن بهذه الفكرة، كما قصدت، أن تكون الأجواء سوداء و مشوهة، لإظهار تلك الحالة لأنها النهاية المحتومة لهذا التطرف و الضياع.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية