|
رؤية ويندر أن نرى دراسة أو بحثاً حول أهمية هذا المتوحش الذي ابتلع كل شيء وأعاد إنتاجه بطريقة تخديرية وبسلطة على الوعي الشعبي! «في زمن الحرب، الحقيقة شيء نفيس ونادر لدرجة أنه يتوجب دوماً تغليفها بطبقات عدة من الأكاذيب».. هذا ما قاله ونستون تشرشل, ونحن اليوم في حالة حرب وليس بيننا من يظن عكس ذلك. استطاع الإعلام عبر الصورة, أن يوحد العالم ذات يوم على مشهد جنازة الليدي ديانا, وصارت فضيحة كلينتون- لوينسكي الشغل الشاغل للعالم كله, بينما مجازر رواندا التي فتكت بحوالي مليون شخص, لم تكن في الواجهة لغياب الصورة عنها. (لو سألَنا أطفالُنا: ماذا فعلتم ضد مجازر رواندا؟ سنجيب: كنا مشغولين بستيفاني أميرة موناكو!). يتبنى الإعلام الحربي عملية «حشو الدماغ» ليثبت أن المعتدي لايفعل سوى الدفاع عن حقه المشروع لتجنب أي غزو محتمل لأرضه.. (وأن جندي الخصم يغتصب الفتيات وينكّل بالعجزة والأطفال، ينتهك المقدسات ويرتكب الفظائع... وما إلى ذلك. وهكذا ادّعى مدونو أخبار الحملات الصليبية في نهاية القرن الرابع, ولتجييش الرأي العام، أن الأماكن المقدسة تعرضت للتدنيس وأن الكنائس تحولت إلى مساجد أو إسطبلات وأن مسيحيي الشرق يتعرضون للإبادة...). ربما لهذا قال أحد أقطاب الصحافة عام 1898 روندولف هيرست: «أعطوني الحرب وخذوا مني العناوين الكبرى». ألا نتذكر أسطورة الأطفال الرضع الكويتيين الذين ماتوا في الحاضنات لأن الجيش العراقي قطع عنها التيار الكهربائي؟ الكل يعلم اليوم أنها كانت مجرد أكذوبة لفقها أحد مواقع الإنترنت الأميركية! تيري مايسون استطاع أن يبيع 200 ألف نسخة من كتاب له يؤكد فيه أن المخابرات المركزية الأميركية السي أي إي هي التي ارتكبت الاعتداء ضد البنتاغون!! بينما ألّف جان بورديارد كتابه «حرب الخليج لم تقع»... في عالم اليوم تغيرت تراتبية هرم السلطات وانقلبت ليغدو الاقتصاد في قمة الهرم, يليه الإعلام المتداخل كثيراً مع الاقتصاد, ثم السلطة السياسية! لم يعد الإعلام قادراً على تحقيق معادلة: إعلام= حرية= ديمقراطية, فالإعلام اليوم يشكل «ثورة آنية فورية.. ثورة الوشاية والتشهير والإشاعة» إنه إعلام النقل المباشر من مكان ما, معتمداً فكرة أن مالاتنقله الصورة فهو غير موجود, وهكذا تصبح المعلومة سلعة على حساب الرسالة الجوهرية لوسائل الإعلام: الحوار الديمقراطي وإغناؤه! |
|