|
شباب نجد الكاتب يصف مراهقي مجتمعه بما نجده يتقاطع مع مراهقينا إذ يقول: السواد الأعظم من المراهقين الجانحين مصابون بعدم التوازن الفكري, ثمة منهم من يجنح بفعل الزهو أو بفعل الاستعداد لقبول الإيحاء, والبعض متمردون ومصابون بفرط الانفعالية والذين لا يتخيلون القسر مهما كان ضئيلا, ويميلون إلى أفعال اندفاعية, وأخيرا هناك المنحرفون الذين يتصفون بأنهم أكثر خطرا, ونلاحظ عدم تمتعهم بالأخلاق الحميدة وقابلية التكيف مع أسرتهم ووسطهم الاجتماعي, ويتبين أن ثمة عدداً كبيراً من العوامل تتدخل في جنوح المراهقين بدءاً من الوسط العائلي والمدرسي والاجتماعي وانتهاء باستعدادات المراهق المسبقة. وهكذا فإن المراهقة قد منحت مهمة جليلة لا يستطيع المجتمع أن يستوعبها أو يتمثلها بسرعة, فهل تنقضي مرحلة المراهقة سريعاً؟ أكثر ما يتجلى الشكل التبسيطي للمراهقة في طالب مدرسة ثانوية يعتدي على زميل له قد يصل حد قتله بسبب خلاف عشقي حول فتاة ما, وآخر يطعن مدرسته بسكين بسبب عدم منحها إياه علامة جيدة (يستحقها!). في عصرنا هذا بالذات, ثمة أمور مأساوية وأحداث مثيرة ومفاجئة داخل أو في حرم المدارس على امتداد العالم, وهذا ما يثير القلق نظراً للفرق بين تفاهة سبب الخلاف والأهمية المأساوية للنتائج, وانطلاقا من ذلك, سعت مدارس كثيرة إلى تفتيش حقائب التلاميذ وانتزاع أقلام الحبر والدفاتر ذات السلك المعدني الحلزوني والمساطر المعدنية تماماً كما يحصل في المطارات, أقول: إن العنف في درجته الدنيا طبيعي وضروري لاستمرار الحياة, لكنه إن زاد نتيجة ظروف نفسية واجتماعية واقتصادية إلخ, فإنه يؤدي, حتما, إلى تدمير الذات والآخرين والمجتمع. المراهق يجد في العنف تنفيساً له عن غيظ مكتوم بفعل تلك العوامل, وهو في تسويته للنزاع بينه وبين الآخر إنما يبحث عن سلام . لا شك أن الطفل في القرن التاسع عشر لم يولد أكثر عنفاً من ذلك الذي يولد في القرن الحادي والعشرين, لكن كليهما عنيفٌ غير قادر على مقاومة أدنى إحباط. إن عنف المراهق يعود بالدرجة الأولى إلى الراشدين الذين يحيطون به, لكنهم بعيدون جداً عنه عندما لا يبالون به ولا يدربونه للتحكم بسيطرته وعنفه دون كبتهما طبعا, هؤلاء المراهقون ضحيتنا نحن الآباء والمرشدين والمدرسين! والخوف كل الخوف أن تسير الأمور معهم بشكل أسوء كلجوئهم لاعتناق أفكار وإيديولوجيات معينة توصلهم إلى التطرف مدفوعين بالإثارة ولغة الشرف والكرامة! والمراهق إذ يقضي وقته ما بين العائلة والمدرسة ومحيطه, فهو يحمل ثقافة مختلطة, تمتزج بممارسة التقاليد العائلية المتوارثة والشعارات الوطنية والمظاهر المجتمعة الإرستقراطية والسوقية أيضاً، وتكمن المشكلة هنا في اتهام كل طرف من هؤلاء الطرف الآخر ويعزو إليه التقصير والجهل, فكيف, والحالة هذه، يستطيع المراهق أن يثق بعالم الكبار؟ حيال هذه الثقة المفقودة, يميل المراهق إلى تسوية مشكلاته العالقة بنفسه انطلاقا من انفعالاته واضطراباته النفسية التي تقود به حتماً إلى حلول مأساوية بدلا من تسويتها بشكل واع لو كان له مرجعية سليمة وناضجة تغذي روحه ونفسه الهشتين. لابد من القول: إن الحنو على الطفل الرضيع ومرافقة مسيرة حياته لا إلى المراهقة وحسب بل إلى أبعد من ذلك بحب واحترام وحنان والقسوة بعض الشيء وفي بعض الأحيان في المواقف الخاصة, سنجد أمامنا مراهقا متزنا وراشدا ناضجا ورجلا لا ذكرا. |
|