|
شؤون سياسية بحيث يخرجها من دوائر الاستشراق التي ترى في العرب والمسلمين جماعات يليق بها أن تباد ، لولا خرج فوكوياما على نفسه مرتين ، مرة تنصل من دعاة نهاية التاريخ ، ومرة عندما رأى أن العرب قوم تليق بهم الحضارة ، لابل إنهم صانعوها في يوم كان العالم يغرق في ظلام دامس . لم يحدث أوباما تغييراً في سياسة ادارته ، ولكنه حافظ على قديم المحافظين الجدد مهدداً بالتدخل في الشأن السوري من «دوامة حقوق الإنسان» وقد تكون الانتفاضات التي شهدتها الساحات العربية مدعاة إن التغيير قادم. حقيقة أملاها على الكون «محمد بوعزيزي»الذي رسخ واحدة من شروط «التمرد» على الواقع ... وأن تصمت واشنطن عما حدث في تونس والقاهرة ، وإن كانت شروط التغيير متوافرة قومياً ، من حيث العلاقات التي كانت تجمع الطرفين مع العدو الصهيوني ، وفي ذلك تسريب لمكون نفسي مضامينه «حالات السأم»و «العدو البديل» يصنع على أعيننا. كما نرى بلداً مثل ليبيا ، أو اليمن ، يفتت تحت رغبة العودة إلى القبيلة ونظامها ، مع أننا لم نغادر ساحتها حتى الآن ، لا بل هناك حنين يقودنا إلى سالف الأيام ، تبناه سايكس - بيكو، فأقاما حدود «دولة القبيلة» خلافاً لـ«الدولة القومية» أو «الدولة الأمة » التي عرفتها أوروبا أواسط القرن السابع عشر ، فكانت «الدولة الوستفالية» التي قضت على سنين طوال من الحروب الأهلية والدينية ، فكانت الدولة«صنو المجتمع المتضامن المتكافل». ما يجري في عالمنا العربي الآن هو نوع من الاضطراب الذي تغذيه الولايات المتحدة و حلفاؤها وصولاً لإحداث تغيير في المنطقة يسهل عليها وعليهم العودة إلى المنطقة من بوابة أن عصراً جديداً قد بدأ في المنطقة، عبر ما تقول إن «القوة الناعمة» هي التي دبرته بكل أدواتها ، ولكنه عصر ، في ظل «الاستثنائية الأميركية» التي تجعل من الهيمنة قانوناً، لا يجوز لأحد أن يشق عليه عصا الطاعة . صحيح أن للأميركيين ، وهم يتطلعون إلى المنطقة من منظار «الثروة والموقع»، أهدافاً تحقق لهم الهيمنة ، إلا أن ما يرجون يقوم على قاعدة «تفتيت المفتت» وهي قاعدة تأخذ بالحروب الأهلية ، وهي أقذر الحروب على الإطلاق لإنطلاقها من أسس عرقية ومذهبية ، فتزرع الحقد في الصدور، و تفتت الأوطان ، هذه التجربة مرت بها بلاد الشام منذ كانت المسألة الشرقية، التي يبدو أنها لم تنته حتى الآن ، حتى تفتت الكيانات المجاورة لإسرائيل قبائل وعشائر ، يكون لكل «كانتونه» الخاص ، ويستطيع أصحابه تسميته ما يشاؤن ، وليكون الكيان الصهيوني هو الكيان الطائفي الأكبر في المنطقة ، وهو الذي يبشرنا بـ«الشرق الأوسط الكبير» هذا التوجه ليس وليد اللحظة ، ولكنه قديم قدم «الاختراق النظيف» الذي سلم يوم 8 حزيزان 1996 إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ، وفيه تعليمات «افعل»و« لا تفعل» واللافت أن ما ورد فيه من نص هو الذي يجري في العالم العربي منذ انسلاخ جنوب السودان وعلى امتداد ساحة الوطن من المحيط إلى الخليج ، وأبشعه ما يجري على أرض سورية ، وهو تنفيذ لما ورد في إحدى فقرات المشروع الذي صاغه المحافظون الجدد «لعله من المهم أن يكون واضحاً أن لإسرائيل بعد أن تم تدمير العراق ، مصلحة في توفير الدعم الدبلوماسي والعسكري والعملاني لأي تحرك ضد سورية ، بحيث يوفر ضمان قيام تحالفات فبلية ومذهبية تضمر العداء للحكم في سورية ، ويهمها أن تقوضه لتخلو لها الساحة وتثبت اسرائيل كياناً راسخاً في المنطقة» ومنذ عام 2011 ونحن نشهدحرباً داخلية ضد سورية تشنها واشنطن وباريس ولندن بتحالف مع تل أبيب وبعض العواصم العربية ، لكن اللافت في هذه الحرب أنها ستحمل في نتائجها المحتومة انتصاراً عربياً اسلامياً في هذه المنطقة بشكل ينقل العراق من آخر تأثيرات وابتزازات الاحتلال الأميركي بعد أن شهد العراق ثلاثة حروب خلال العقود الثلاثة ، كما أن انتصار سورية على هؤلاء الأعداء سيؤسس لتحالف عربي اسلامي يتسع ليشمل دولاً عربية أخرى ودولاً اسلامية مثل باكستان ولتحالف دولي تقوده موسكو وبكين وبقية دول البريكس (الهندوالبرازيل وجنوب أفريقيا في ظل تدهور القدرة الأميركية واستحقاقاتها المقبلة . وفي ظل هذا الاستشراف للمستقبل القريب ستعود القضية الفلسطينية وتفرض نفسها على الدول التي عملت على تهميشها وازاحتها من أولويات العمل العربي والإسلامي . وهذا ما أشارت إليه مخاوف اسرائيلية جرى التعبير عنها في إحدى دراسات مركز دايان حين كشفت أن احباط سورية لأهداف هذه الحرب الداخلية سيفرض تغييراً مذهلاً على جدول العمل السياسي الإسرائيلي والأميركي في المنطقة ، لأن كل من ساهم بالعمل المباشر أو غير المباشر ضد القيادة السورية سيجد نفسه في وضع ضعيف تجاه محور الدول والقوى التي وقفت إلى جانب سورية وتجاه تحالفه السري أو العلني مع تل أبيب . وتشير الدراسة إلى ظهور أغلبية مصرية لم ترفض الرئيس المعزول مرسي فحسب ، بل ترفض أي موقف معاد للقيادة السورية ويعترف قسم الأبحاث في وزارة الخارجية الاسرائيلية أن صمود سورية وبداية شق طريقهانحو الانتصار في الحرب الداخلية أخذ يشكل أحد مفاصل التغيير المقبلة على النظام التركي بحيث يتولد من هذا الفصل تراجع عن السياسة التركية المعادية لسورية سواء جرت إقالة أردوغان أو لم تجر. |
|