|
قاعدة الحدث وما أعقبه من انهيار لحلف وارسو، الأمر الذي خلف الناتو دون هدف واضح، وبناء عليه لم تعد الدوافع التي أنشئ من أجلها الحلف موجودة بعد زوال الاتحاد السوفييتي، ولكن نظراً للجهود الأميركية المكثفة في هذا المجال، استطاع الناتو أن يجد لنفسه وجها جديداً خلال هذه الفترة، فيما عرف «بالناتو الجديد» والذي مكن الولايات المتحدة من إحكام سيطرتها مرة أخرى على النظام العالمي الجديد. كان هناك العديد من العوامل التي ساعدت على استمرار الناتو الجديد ومنها، المطالب الأمنية لدول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي و حلف وارسو، ورغبة دول أوروبا الغربية في الاستمرار تحت حماية المظلة الأميركية التي توفر لهم سياسات دفاعية جوية، وفي ظل العولمة الليبرالية وأجواء السيطرة الأميركية على مختلف المجالات الاقتصادية والمالية، سعت الولايات المتحدة إلى عولمة الناتو بعد أن كان أوروبيا أطلسيا، وذلك لاستخدامه كأداة عسكرية عالمية تخدمها في تحقيق مصالحها، واعتبر ذلك الميلاد الثاني للناتو. أما مهامه فلم تعد بالتأكيد نفس المهام التي أُسّس من أجلها، بل تحوّلت استراتيجيته إلى جوانب أخرى شملت مناطق عديدة في العالم وامتدت إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا، وعكست نفسها بالتدخل في الصراع القائم بين الدول، وادعاء مكافحة الإرهاب، والتقصّي عن أسلحة الدمار الشامل في دول معيّنة دون سواها. وقد جاءت أحداث 11 أيلول لتُعطي الحلف دفعة جديدة في اتجاه الهيمنة السياسية والعسكرية المطلقة على العالم، بداعي التدخل لتحقيق الأمن ومساعدة الأمم المتحدة، كما حصل بالنسبة للبوسنة والهرسك ومقدونيا وصربيا ويوغسلافيا، وكذلك التدخل في إقليم دارفور السوداني، وما زالت أساطيلها تجوب البحر الأبيض المتوسط والمياه الدولية الأخرى بحثاً عن هدف. وخلال فترة التسعينيات بقيت أوروبا محور التحرك الأول للناتو، لكن أضيف إلى الحلف مهمات ومناطق أخرى رأى الغرب أنها حيوية لتحقيق مصالحه. لم ينس «الناتو الجديد» حقيقة أن الهدف الأساسي من وجوده كان توفير الأمن والحماية لدول أوروبا الغربية؛ لذلك سعت الولايات المتحدة طوال هذه الفترة إلى المحافظة على هذه المهمة عن طريق توثيق الترابط بين حلفائها التقليديين في أوروبا الغربية وحلف الأطلسي. وفي كانون الثاني 1994، اعترفت الولايات المتحدة رسميًّا بما عرف بـ «هوية الأمن والدفاع الأوروبية»، والتي أضحت دعامة أساسية للأوروبيين بعد قيام الاتحاد الأوروبي في عام 1992، ومن ثم تطور التعاون بين الاتحاد والحلف على أساس تكاملي وليس تنافسياً. وبعد أن وافقت الولايات المتحدة على إقامة وحدات عسكرية أوروبية في الناتو، وفقا لاتفاقية برلين 1996، تكون بذلك قد نجحت في مساعيها الرامية إلى تجديد الهياكل العسكرية المندمجة داخل الناتو من خلال إصلاح القيادات الكبرى وإعطاء مكانة أكبر للأوروبيين داخل الحلف. وبالتوازي مع الرغبة الأمريكية في الحصول على «ناتو» أكثر أوروبية، حرصت الولايات المتحدة على الاهتمام بكافة المشكلات الأمنية للأنظمة الجديدة في أوروبا الشرقية، بالإضافة إلى مختلف المشكلات المتعلقة بالاتحاد السوفييتي السابق، وتم إنشاء «مجلس تعاون شمال الأطلسي» الذي فتح الباب أمام الدول الأعضاء سابقا في حلف وارسو، وفي قمة بروكسل كانون الثاني 1994، مُنحت هذه الدول شكلاً جديداً من التعاون من خلال ما يسمى «الشراكة من أجل السلام». أما بالنسبة لروسيا، فقد حرصت الولايات المتحدة على إزالة الحواجز الروسية، وإقامة علاقة تعاون وشراكة معها تجسدت في الوثيقة التأسيسية بين الحلف وروسيا، والتي تم توقيعها في باريس في 27 أيار 1997، وتلاها التوقيع على ميثاق خاص للشراكة بين الناتو وأوكرانيا في 1997. سعت الولايات المتحدة خلال هذه المرحلة إلى توسيع نطاق عمل الناتو، بعيداً عن مجال عمله التقليدي الذي تم الاتفاق عليه في 1949، وذلك من خلال تحويل هذا «الناتو الجديد» إلى جهاز أمني كبير قابل للذهاب إلى أي مكان والاهتمام بكافة القضايا، فقد عملت الولايات المتحدة بعد التحولات الجذرية التي شهدها العالم في بداية التسعينيات، على التوسيع من نطاق عمليات الناتو لتشمل جميع مناطق العالم، ولا تكون مقتصرة فقط على حدود الدول الأعضاء في الحلف، بحيث يكون الحلف قادرًا على العمل خارج النطاق الأوروأطلسي . |
|