تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل ستشهد تركيا مخاض التغيير؟

The Washington Postبقلم: أسلي أيدينتاسباس
دراسات
الأربعاء 18-12-2019
ليندا سكوتي

ما ان يدلي الرئيس رجب أردوغان بخطاب عن واقع معين حتى تنبري وسائل الإعلام التركية لبثه على الهواء مباشرة مهما كان موضوع الخطاب. وهكذا تمضي الأمور في هذه الأيام. لكن في بعض الأحيان يمكن للمرء استقاء معلومات إضافية عما لم يُنشر،

وذلك على غرار ما أعلنه حليف أردوغان ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود اوغلو بشأن تشكيل حزب سياسي جديد في قاعة ضمت مؤيديه إبان الأسبوع الماضي. إذ لم تعمد أي شبكة إخبارية إلى تغطية ذلك الحدث تحسبا من سخط الحكومة.‏

لا ريب بأن لداوود أوغلو شخصية تتسم بأهميتها السياسية في الأوساط المحافظة، وإن تحديه لأردوغان من الأهمية بمكان لأنه يرجح الميزان لمصلحة القوى المعارضة الداعية لإنهاء الكابوس الاستبدادي التركي. وقد قال في خطاب شديد اللهجة ألقاه «إن الإجراءات القمعية وغير القانونية شلت قدرة التفكير التركي» ودعا لعودة حكم القانون وإنهاء القمع واستعادة الضوابط والتوازنات البرلمانية. مستطردا: «أولئك الذين لا يتسمون بإحساس العدالة ليس لديهم ما يقولوه حول مستقبل البلاد».‏

في أوج ازدهار حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه إردوغان، تولى أوغلو منصب مستشار السياسة الخارجية ثم أصبح وزيراً للخارجية، وأخيرا رئيسا للوزراء. ولكن علاقته مع أردوغان أخذت بالتراجع منذ عام 2016. ونظرا لكون داوود أوغلو شخصا أكاديميا، فقد كان داعما للقوى التركية المتمردة، ودعا إلى تطبيق «سياسة صفر مشاكل مع دول الجوار»، وساهم بالإصلاحات المحلية، فضلا عن طرحه التقدم لعضوية الاتحاد الأوروبي، وإقامة علاقات إقليمية ودية خلال العقد الأول من تسلم حزب العدالة والتنمية لزمام السلطة، أي بين عام 2002 و2012.‏

وجهت فئة المثقفين النقد لداوود أوغلو نظرا لبقائه إلى جانب إردوغان على مدى فترة طويلة من الزمن. لكنهم أخطؤوا في وجهة نظرهم. إذ أن تركيا ليست بدولة الليبراليين الحضاريين، وان التغيير يقوده المحافظون الذين لن يصوتوا لـ «حزب الشعب الجمهوري» - الحزب العلماني الرئيس المعارض - أو الحزب الكردي. وبذلك فلا شك أن رسالة داوود اوغلو ستلقى صدى لها في وسط الأناضول.‏

وهذا وحده كفيل بإجراء تغييرات في الحسابات الانتخابية التركية. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تعدى حزب العدالة والتنمية الذي يقوده إردوغان عتبة الـ51% ما جعله يفوز بالانتخابات من خلال التحالف مع الأحزاب اليمنية المتطرفة. أما في الوقت الراهن فسيصعب عليه الحصول على 30%، حتى لو حظي بدعم «حزب الحركة القومي» شريكه في التحالف القومي المتشدد. ففي الصيف الماضي، فقد حزب العدالة والتنمية كافة المدن التركية الكبرى تقريبا في الانتخابات البلدية. وإثر ظهور «حزب المستقبل» الذي يتزعمه داوود أوغلو، وتشكيل حزب انفصالي آخر يقوده وزير المالية الأسبق علي باباجان، فمن الصعوبة بمكان تخيل استمرار إردوغان رئيسا مدى الحياة.‏

في هذا المقام نستذكر أحداثا تاريخية سابقة، ففي عام 1908، أسقط تحالف واسع قاده حزب « الشباب الأتراك» حكم السلطان عبد الحميد الثاني الذي استمر 32 عاما، ذلك الرجل الذي يحاكي أردوغان بمواقفه وتصرفاته. وفي عام 1950، فاز «الحزب الديمقراطي» فوزا ساحقا كرد فعل على النظام القمعي الذي قاده عصمت إينانو. وانتقم المصوتون جراء إعدام رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس إثر انقلاب عسكري عليه بانتخاب حزب العدالة في انتخابات عام 1965. وتطول القائمة، إذ بإمكان الاتراك التساهل مع القمع الذي تمارسه الدولة خلال الأوقات العصيبة ثم لا يلبثون أن يتصدوا لتجاوزات الاستبداديين. وإن هذا التقهقر وأعمال العنف والتراجع حكاية قديمة تعود إلى قرن من الزمن. بيد أنه بإمكان الأتراك العودة للانضباط ذاتيا مرة أخرى.‏

لكنه من غير الواضح متى سيحصل التصويب الديمقراطي القادم. فالانتخابات الرسمية حددت في عام 2023، بينما يتنبأ معظم السياسيين أنها لن تستغرق وقتا طويلا.‏

في الشهر المقبل، سيلجأ باباجان الذي أدار دفة الاقتصاد التركي خلال سنوات الازدهار إلى نشر برنامجه السياسي الليبرالي. ومن خلال محادثة أجريتها مع أعضاء بارزين في كل من حزبي باباجان وداوود أوغلو على مدى الأشهر القليلة الفائتة، لاحظت أن ما يساورهم من قلق على البلاد متماثل إلى حد كبير، وتتمثل هواجسهم بتشديد إردوغان قبضته على البلاد بدرجة أكبر في ظل النظام الرئاسي الجديد، وتراجع المؤسسات الديموقراطية، والحالة المزرية للقضاء، فضلا عن الإدارة الضعيفة للاقتصاد. وقد أخبرني أحد حلفاء أردوغان السابقين قائلا: «بإمكاني الاسترخاء وتأليف الكتب وإلقاء الخطب لكسب الأموال. لكن البلاد تغرق أمام أعيننا في كل يوم. ولا نستطيع الجلوس مكتوفي الأيدي أكثر من ذلك».‏

مع ذلك، فإن ثمة عوامل خارجية قد تطيل عمر النظام القائم حاليا. وأحدها المغامرة العسكرية وراء البحار، كما أنه من الأهمية بمكان معرفة أسلوب واشنطن في التعاطي مع تركيا. فضلا عن كون إعادة انتخاب الرئيس ترامب عام 2020 سيتيح تمديد حالة التناغم الاستراتيجي بين الطرفين، الأمر الذي يسهل على أردوغان إدارة الاقتصاد التركي والتوترات المحلية. وبالإضافة إلى ذلك فإن الكونغرس الأميركي الذي ينوي فرض عقوبات على تركيا قد يمضي في حشد القوميين حول الرئيس التركي أيضا.‏

لكن تأثير كل تلك الأمور سيكون لفترة مؤقتة. إذ أن غالبية الأتراك يرغبون بإجراء إصلاح للديمقراطية في البلاد، ويشهد المجتمع التركي تزايد في أعداد المطالبين بالإصلاحات يوما إثر يوم. وبذلك فإن حزب العدالة والتنمية الذي تسلم مقاليد السلطة على مدى السنوات الـ 17 الماضية سيفقد سيطرته. وإن جهات أخرى ستتسلم السلطة في البلاد إن عاجلا أم آجلا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية