تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


موضوعيــة .. بتلاويــن زئبقيــة!

فضائيات
الأربعاء 5-8-2009م
لميس علي

أن يكون المرء قادراً على الوقوف على حدين،طرفين ، نقيضين..وأن يمتهن سرعة وسهولة الانتقال بينهما بمرونة وخفة،ما ذاك إلا تأكيد على زئبقية الحالة التي يتلبسها ذاك  الشخص .

شيطنة آدمية تُخدّم بأدوات وأسلحة معرفية ثقافية (لزوم الشغل ) .. توفيراً لكاريزما من نوع خاص تجذب البعض صوب ألقها الكاشف الذي يُعمي الأبصار عن قرب ، شرط أن تُدعّم تلك الكاريزما بوعظية وشعاراتية ظاهراتية ليس لها من جوهر الحالة سوى القشور ..‏

وأخيراً تحلّل جوزيف عيساوي ، مقدم برنامج (قريب جداً ) بعض الشيء ، من الطابع المحاضراتي الذي يتقمّصه قبالة ضيوفه ( العرب ) .. المحاضر العنيد .. و المنافح الصنديد عن كل العناوين التي تُفتقد في العالم العربي –حرية ، ديمقراطية ، تعددية ..وغيرها مما ينقّب عنه هو ومن وراءه ، وفقط بالاسم.‏

ولكم أن تحزروا لصالح من سيكون انحسار هذا الدور المخابراتي الذي يؤديه العيساوي .. إنه لصالح ملك البوب مايكل جاكسون .. وليس لأجل فلان ولا علّان ينتميان إلى ساحة العربان .‏

حلقة البرنامج الأخيرة جاءت بنَفس تكريمي لجاكسون ، بحضور المؤلف الموسيقي والمسرحي أسامة الرحباني ، المطربة هبة طوجي ،ومداخلات المختصّة بعلم النفس العيادي ألين غصن ، والطبيبة النفسية منى صوّاف .‏

هكذا سيُتاح لنا  رؤية شخصية العيساوي المتعاطفة والمتساهلة مع سلبيات الشخصية المتحدّث عنها .. دون أن يلوّح ( بمقلاته ) التي يستمتع بوضع البعض عليها ، إلا أن جاكسون سيكون بمنأى عن التلظي بنيران مقلاة العيساوي التي لا يشهرها هذا الأخير إلا في وجه أبناء منطقته ..‏

مايكل الغائب _ الحاضر كان بطلاً مطلقاً لتلك اللعبة المسرحية ( بايخة الإخراج) ،  ولكن يحسن العيساوي لعب دور المايسترو، ويُعينه أسامة بتلقي بل وبردّ كل ما وجّه من مآخذ ومساوىء في شخصية بطلهم المظلوم .. المقهور ..الذي عُنّف من قبل والده وقُمع واُضطهد مجتمعياً .‏

ولتكون اللعبة أو التمثيلية بأصولها وعلى أكمل وجه يمنح العيساوي ألين غصن دور المهاجم لكنه يبقى هجوما ضعيفا يتم تنفيثه من قبل المطربة هبة طوجي والراقص المتأثر بمايكل انتصار الحمداني والمدافع المستميت الرحباني،الذي يتصدر قلب الدفاع واصلا حد الشطط والمبالغة.‏

هؤلاء جميعا يجتمعون على أمر واحد،يشككون بكل ماهو سلبي غامض في حياة معبودهم جاكسون،كما وصفه العيساوي،الذي تحدث عن الهوية العاطفية له قائلا:ليس كائنا أرضيا ولا فضائيا،ليس طفلا ولا راشدا،ليس رجلا، ولا امرأة،...وهذه بالضبط يحسن أسامة استثمارها وقلبها رأسا على عقب،مصرحا انه اذاً ملاك!!بكل بساطة يتنطح ويتفصحن واصفا إياه بالملاك محاولا تفنيد الأمر وتحميله شيئا من معاني تشظي الإنسان المعاصر.‏

هؤلاء يغضون الطرف عن كل سيئة صدرت عنه،بل ينفونها وكما لو أنهم بحيلهم الخلبية هذه يعمون عيونهم وعيون مشاهديهم عن فظاعات اتهم بها يوما بطلهم ذاك،دون أن يخفى على متبصر محاولتهم عن عمد أو جهل الترويج لتقليعات غربية بحتة،لتتوازن كفة المآسي والمعاناة التي أحاطت بجاكسون مع كفة أعماله الخيرية،ولينحسر أي فعل سلبي قام به يوما..أليس هو الملاك؟..‏

و الغريب المستهجن ليس دفاع أسامة شديد اللهجة عن جاكسون،بمقدار ماهو ابتعاده عن أي موضوعية في حديثه،وكأنما يتحدث عن شخص قريب منه،عايشه طوال حياته،متكلما بثقة وبتأكيد عال عن السمات الفضيلة لفقيدالغالي..أين الموضوعية التي يفترض أن يتميز بها الفهيم العاقل..أين الموضوعية التي يطالب بها العيساوي غيره أن يتحلىّ بها ضيوفه الذين يحشرهم في خانة الشك وعدم الثقة بالذات...‏

لماذا انتفت لدى الجميع لتحل محلها ذاتية بأقصى درجاتها..ولكن هل هي فعلا ذاتية هؤلاء..أم ذاتية إدارات وغاية شاشات يتصدرون(اللعي)عليها،وهل يجرؤ أي من هؤلاء على التحدث بنفس النبرة والنغمة فيما لو كان على شاشة عربية التمويل والتوجه..‏

إنها طريقة جديدة في تطبيق موضوعية الإعلامي..موضوعية على طريقة العيساوي ومن لف لفّه...وصولا إلى حرية يتبجحون بها..إنها مجرد يافطات الديمقراطية والحرية والموضوعية لكن على مقاس(الحرة)وحدها..!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية