تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بيترشافر في لحظة اصطياد الشمس

كتب
الأربعاء 5-8-2009م
عادة يتم الحديث عن بيتر شافر بمثل الصيغة الآتية: (عاش حياة رتيبة، ليس فيها مايثير الاهتمام الصحافي فهو لم يخرج على المجتمع الانكليزي ثائراً غاضباً مثل جون أوزبورن ولم يخرج من الطبقة العاملة اليهودية

واستغل هذه الحقيقة في موضوعاته وفي الدعاية لنفسه مثل أرنولد ويسكز، إن الجمهور لم يسمع عن بيتر شافر ، إلا من خلال أعماله وأعماله فقط، فحياته عادية للغاية.‏

ولد بيتر شافر في ليفربول سنة 1926 من أبوين من الطبقة الوسطى الثرية، فقد كان أبوه مديراً لشركة من شركات ليفربول العديدة، وعند بلوغه التاسعة رحل بيتر شافر إلى لندن والتحق بمدرسة سانت بول وهي من أحسن المدارس بتلك العاصمة، وتفوق في دراسته فاستطاع أن يحوز منحة لإتمام دراسته الجامعية في كلية ترينتي بجامعة كامبردج وقبل دخوله الجامعة - وكان ذلك في أثناء الحرب العالمية الثانية- اضطر إلى أن يقوم بالخدمة العسكرية المقررة على من لم تبلغ سنة سن التجنيد وذلك بأن يخدم مع من في سنه في مناجم الفحم بانكلترا، وقام بذلك مدة ثلاث سنوات، وبعد انتهاء الحرب استطاع أن يستمر في دراسته بالجامعة وحصل على ليسانس آداب ثم رحل إلى أمريكا سنة 1951 وعمل في قسم التزويد بمكتبة نيويورك العامة، ولما عاد إلى انكلترا عمل مع دار النشر للموسيقا بقسم الدعاية والإعلان فيها، وليس في أي من هذا ما يثير الانتباه أو ما يثير الضجة الصحافية فحياته تتشابه مع المئات من حياة الناس.‏

ولم يتفرغ بيتر شافر للكتابة إلا أخيراً بعد أن أصبح من الكتاب المعترف بهم، يعرفه الناشر والمنتج ومخرج التلفزيون أو الإذاعة وما زال يعيش كما عاش دائماً عزباً، بعيداً عن الأضواء يعمل بلا ضجة وفي صمت.‏

بدأ بيتر شافر حياته الأدبية بالكتابة للتلفزيون والإذاعة ، كتب أولى مسرحياته التلفزيونية في أثناء إقامته في نيويورك وكان اسمها «أرض الملح» والثانية كتبها بعد عودته إلى لندن وهي رواية بوليسية باسم «ميزان الرعب» كما كتب مسرحية إذاعية باسم «الأب الضال» وكلها أعمال حكم عليها كاتبها بالموت، حيث إنه لم ينشرها حتى بعد أن بلغ من الصيت ما يبيح له أن ينشر أي شيء.‏

وبعد هذه المقدمات التي ما كانت تبشر بشيء خارق، خرج بيتر شافر على العالم المسرحي سنة 1958 بمسرحيته (تمرين للأصابع الخمس) وكان قد كتبها سنة 1957 ، ومنذ تلك المسرحية تبلور أكثر ما يميز أعمال شافر، فرؤيته للإنسان في الواقع أقرب إلى رؤية كاتب الكوميديا منها إلى التراجيديا ، إنه لا يرى فيه العظمة اللازمة لتصنع البطل التراجيدي، بل إنه يشفق عليه أحياناً، ويضحك منه أحياناً أخرى لذلك كانت المسرحية في حوار ها بل وفي بعض مواقفها تثير الضحك أكثر مما يثير الإحساس التراجيدي- والضحك عند بيتر شافر- ضحك غير خالص- ضحك يكاد يكون باكياً.‏

ولعل هذا أكثر ما يميز أعمال بيتر شافر.. تلك الرؤية الضاحكة الباكية فكل مسرحياته ، باستثناء مسرحيته (اصطياد الشمس) يمكن أن تندرج تحت نوع أصبح يسمى حديثاً «بالكوميديا السوداء» فخلال السنوات الخمس التالية لمسرحيته الأولى لم يكتب إلا نصين كل منهما من فصل واحد قدما في عرض واحد باسم «أذن خاصة» و«عين عامة» والمسرحيتان كوميديتان اجتماعيتان فيهما من المرارة بقدر ما فيهما من الضحك وإن كان كاتبهما يميل فيهما إلى الضحك أكثر مما يميل إلى المرارة.‏

لكن مسرحية (اصطياد الشمس) هي مسرحية تاريخية وليست اجتماعية معاصرة كما أنها - شكلاً- تخرج على نطاق المسرحية الواقعية ذات البداية والوسط والنهاية.‏

وصفها بيتر شافر في حواراته مع محرر مجلة «تمثيليات وممثلون» أنها مسرح ملحمي، يغطي شافر حوادث المسرحية بطريقة بريخت في العرض السردي أي إننا منذ بداية الحدث ننتقل مع الأحداث حدثاً حدثاً في سلسلة من المشاهد المتعددة السريعة فلا وحدة لزمان أو مكان بل تمر بنا الأيام شهراً بعد شهر، وننتقل مع الجيش الغازي من الساحل وعبر الجبال من أقصى الامبراطورية إلى أقصاها، وهو في ذلك يلجأ إلى كثير من الحيل المسرحية التي كان بريخت أول من أدخلها إلى المسرح الغربي- كاستعمال التمثيل الصامت ،ولكن بيتر شافر أضاف أشياء إلى الحرفة المسرحية ما كانت تخطر لبريخت على بال وذلك قد يرجع إلى ثلاثة أسباب أولها أن بريخت أساساً كان ملتزماً بالواقعية فحد ذلك من انطلاق خياله، بينما ترك شافر لخياله العنان، وقد يكون السبب الثاني أن بيتر شافر تأثر بالفن السينمائي الذي لم يكن قد وصل إلى الكثير إبان تكوين بريخت الفني كما أنه تأثر بالمسرح الذي نعرفه باسم (اللامعقول) وهو مسرح يعتمد أساساً على الصورة المرئية وقدرتها على التعبير أكثر من اعتماده على الكلمة رغم أن حكاية المسرحية «غزو البيرو» ليست إلا الحكاية التي من خلالها يعالج المؤلف موضوعات كثيرة تتشابك وتنمو الواحدة إلى جانب الأخرى خلال النص المسرحي، هناك أولاً موضوع مقابلة حضارة بحضارة- حضارة الغازي وحضارة البلد الذي احتله، كانت بيرو امبراطورية شاسعة ذات حضارة بكل ما تعنيه هذه الكلمة وعلى الرغم من الشكل الملحمي للمسرحية فإن هذا الموضوع يوجد عنصراً من أهم عناصر المأساة الكلاسيكية .. هو الصراع النفسي المتوفر في النص..‏

الكاتب في هذه المسرحية بالذات استعمل إمكانات الموسيقا والرقص والغناء ولم يفته أن يعتني بالكلمة ، فأسلوبه في المسرحية غني بالصور الشعرية غير المألوفة وذلك بصورة تلفت النظر، إنه مثلاً يصف الموسيقا بالبرودة ويقول إن الشمس «تسرح فوق مراعيها» وكأنها دابة ترعى.. شافر يستغل كل ما يمكن استغلاله للتعبير عن موضوعاته العديدة والأسلوب واحد من وسائل التعبير ، إنه يستعمله استعمال الشاعر على الرغم من عدم التزامه بوزن أو بقافية.‏

الكتاب: اصطياد الشمس /مسرحية/ - الكاتب: بيتر شافر/ترجمة د. هدى حبيشة ،صادر عن سلسلة المسرح العالمي - الكويت- العدد العاشر تموز 2009.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية