تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تـــأليـــف الــحــــب

ثقافة
الاربعاء5-8-2009م
حسين عبدالكريم

الكتاب الجميل مثل الحبيبة الجميلة يسرق العمر باتجاه الدهشة...

وهو دهشة.. وألق معلق بين عقبة القلب وسقف الحلم.. وقد يغدو الألق استثناء وشوقاً اضطرارياً لا يستغنى عنه إلا بالامتلاء به ومنه وإليه..‏

الآن اختلفت الصيغة والعلاقة: الحبيبة استقالت من مزاولة مهنة الحب والألق وكأنها تعبت من الحب وسعادة الإدهاش، والكتاب تعافى من الدهشة وصار ركوداً وأمراً في غاية العادية، ويمكن تأليفه من قبل المحبين وسواهم، بعد أن كان دهشة وجمالاً صار مثل السعال والهمهمة والثرثرة، الجميع يسعل والجميع يؤلف كتباً ويبصقها في وجه الأيام والقارئون قليلون في جميع الأحوال، وهذا ما يبعد بصاق المؤلفين عن المتلقين، إذ قل المتلقون.‏

الحبيبة صدى روحي يستعيده المحب ويؤلفه ويبدعه إبداعاً حبياً... لم تعد الحبيبة صدىً أو روحاً، بقدر ما صارت حوادث عشق وخيبات غرامية ونزلات شوقية حادة.‏

الصديق الدكتور عبد اللطيف ياسين عاد من مزاولة مهنة الطب النسائي إلى مهنة الحبر والتأليف، لكنه لم يستطع الفلات من قبضة التأملات الطبية والكتابة المتجاورة والمتشاركة مع هموم واهتمامات ونجاحات الطبيب والنسائي... والنسبة بالنسائي ترجع للمهنة العلمية الطبية وللسلوك الوجداني والوجدي تجاه المرأة وحياتها ووجودها معه وعلاقته بهمومها وأنوثتها.. والسعي في مجاهلها والتعبير عن هذه المجاهل والإمساك بها إمساكاً تأليفياً ومختلفاً..‏

كتابه الأخير (الجنس والمرأة عبر العصور) فيه الكثير من التاريخ والقليل الجميل من الحب، وفيه ما فيه من التأليف وشجن الجمع والمؤلف والمؤلفات.. وفيه شيء لطيف من الأدب والإشارات الأدبية.‏

في فصل الجنس وعلاقته بالسادية ونقيضها المازوشية، يبدأ بالتاريخ والأدب والطب النفسي: (لقد اشتقت كلمتا (السادية) ونقيضتها (الماروشية) من اسمين نبيلين أوروبيين هما الكونت دوناتييه ألفونس فرانسوا دوساد والفارس ليوبولد فون ساشر-مازوش.‏

ومن المستحيل البحث في الجوانب الأدبية للتعذيب والجنس، دون التنقيب عن دوساد الفرنسي وساشر-مازوش النمساوي، وليس فقط أن كتابتهما تمثل الحد الأقصى المتطرف من شذوذ جنسي محدد، بل إن قصتي حياتهما الشخصيتين تساهمان في توضيح كيف أن اسميهما قد اندرجا بين التعبيرات العلاجية السريرية).‏

وقد يكون اتكأ الباحث كثيراً على تشاركية الجنس بالحب بالقيم الإنسانية ومفاهيمها ومدلولاتها السلوكية والمعرفية التي تساعد على أداء إنساني جدير بالارتقاء بالعملية الغريزية بين الذكر والأنثى إلى ما هو أعلى وأرقى من العلاقة الجسدية، فحسب.. وهذه هي الرؤية الكونية المزدهرة التي صيغ على أساسها وجود الإنسان وكيانه وبقاؤه.‏

العمر في أحسن حالاته شقاء مع الحب ومن أجله.. وحيناً من العمر يصير الشقاء بحثاً وتأملاً وتوقفاً اضطرارياً أمام مزهرية المعلومات والخبرات والتجارب وكيفية الانتقاء والتنسيق..‏

هاجس عبد اللطيف ياسين يتراوح بين همة الحب وهمة البحث عنه وعن معانيه ودلالاته وعن تاريخه منذ البابليين والآشوريين وغيرهم من الأقدمين، وكأنه بتأليفه هذا يقدم تبريراً حول الحب وحول تقصير المحبين، الذين يراهنون على قضية الجنس مفردة، دون الاقتراب من روحانية نشيد الجسد وبلاغته التي لا تعبر عن شيء من ثرائها دون وفرة حضور الروح أو بعض هذه الوفرة.‏

تأليف الحب قضية وجود الإنسان سواء أكان هذا التأليف سلوكاً وموقفاً وقناعات حياتية، أو خبرات معرفية وتجربة نفسية ثرية، وكثرة التأليفات والمؤلفين والمؤلفات لا تنتقص من قداسة الحب ومعناه ومبناه وسلوكاته اليانعة، التي لا تعيش من غير صفائها ونقائها وبهاء وقتها.. وقت الحب وقت مؤلف واستثنائي ومبدع.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية