تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عاديات جبلة تكرم المفكر الراحل إدوارد سعيد

ثقافة
الاربعاء5-8-2009م
لينا ريا

أقام مهرجان جبلة الثقافي الخامس (10-14 تموز) ندوة تكريمية للمفكر الراحل إدوارد سعيد، على مسرح المركز الثقافي بجبلة،

وذلك في الرابع عشر من تموز، وبحضور فيلسوفنا وشاعرنا الكبير (أدونيس) والشاعر اللبناني (محمد علي شمس الدين) وحشد من المثقفين السوريين والعرب، وأهالي جبلة المهتمين بالشأن الثقافي. وبكل محبة وتقدير وبحث عميق سلط كل من الدكتور (فيصل دراج) والدكتور (ثائر ديب) والدكتور (سماح ادريس) الضوء على مفصل هام في حياة وفكر إدوارد سعيد. وفي هذا المقال لا يسعنا تقديم إلا الوجيز مما جاء في هذه الندوة.‏‏

مسيرة إدوارد سعيد‏‏

ابتدأ الكلام الدكتور (ثائر ديب) بصفته مشاركاً ومديراً للندوة والذي قدم عرضاً موجزاًعن سيرته الذاتية وأعماله فقال: ولد ادوارد سعيد في القدس عام 1935 لأبوين فلسطينيين، كانا يعيشان بين القدس والقاهرة نظراً لطبيعة عمل الوالد، وذلك قبل أن تجعل نكبة 1948 من مصر ولبنان أحياناً مكان إقامة دائم لهذه العائلة، التحق ادوارد بالقاهرة بعدد من المدارس حتى بلغ تسعاً، وقد تميزت سيرته الذاتية هناك بالتفوق من جهة، وعدم التكيف مع هذه المدارس التي أقامها الاستعمار الإنكليزي في مصر. وهذا ما دفع أسرته إلى أن ترسله إلى أمريكا لإكمال دراسته، الأمر الذي تيسر له لأن والده كان حصل في شبابه على الجنسية الأمريكية.‏‏

بدأت مسيرة ادوارد سعيد في أمريكا عام 1951 بالتحاقه بمدرسة داخلية بولاية ماسوسيتش أنهى فيها دراساته الثانوية، ومن ثم التحق في جامعة برنستن ودرس الأدب الإنكليزي والتاريخ، وبعدها أنهى تمرسه الأكاديمي في هارمزد، حيث قدم اطروحته بالأدب المقارن عن الروائي الإنكليزي البولندي الأصل (جوزيف كورنر) لينتقل إلى جامعة كولومبيا والتي ظل يدرس فيها الأدب الإنكليزي والأدب المقارن حتى وفاته عام 2003.‏‏

وبين صدور الكتاب الأول والثاني وهما كتابان غير مترجمان للعربية ثمة تواريخ مهمة تركت أبلغ الأثر لدى سعيد، ففي العام 1967 كانت هزيمة العرب أمام إسرائيل، وفي العام 1969 جاء سعيد إلى الأردن ليشهد عام 1970 أحداث أيلول الأسود، وليتبلور تعاطفه مع حركة المقاومة الفلسطينية، وبعدها غادر الى بيروت حيث تزوج من سيدة لبنانية، ودرس اللغة العربية على يد (أنيس فريحة) ونهل من التراث العربي قديمه وحديثه قبل أن يشهد حرب تشرين عام 1973 ليكتشف عيانياً مقدار التفارق بين ما يجري على الأرض، وما تصوره وسائل الإعلام الغربية. أدى كل ذلك إلى تبلور تفكير سعيد في الخطاب الاستشراقي، والذي سيثمر في العام 1978 عن كتابه (الاستشراق) الذي زلزل المؤسسة الاستشراقية وغيرها من حال إلى حال، ويستكشف سعيد هنا تلك الصورة التي ابتدعها الغرب عن الشرق، ويبين أن الخطاب الاستشراقي ليس مجرد فرع علمي حيادي بل تخترقه علاقات القوة والسلطة، ويمكن القول: إن ما يدور حوله كتاب الاستشراق ومعظم أعماله اللاحقة هو العلاقة بين التمثيل وبناء الصور والسرديات في جهة أخرى، وما يتخلل ذلك من ممارسة القوة والسلطة في جهة ثانية، وبعبارة أخرى هذه الأعمال تدور حول العلاقة بين الثقافة والسياسة، حيث ينظر سعيد الى السياسة على أنها قضية سرديات متصارعة يحاول فيها كل طرف إضفاء الشرعية على رؤيته للعالم عن طريق بناء سردي يخص أصله وولادته.‏‏

ممارسات المثقف عند إدوارد سعيد‏‏

تحدث د. فيصل دراج عن كيفية دخول الأكاديمي سعيد إلى مجال الثقافة كنقد ومقاومة، بعد هزيمة الـ 1967، فكما كان يقول قبل هذه الهزيمة لم يكن مشغولاً بالقضايا العربية والسياسية، ولكن هزيمة الـ 67 والاحتواء الصهيوني والأميركي الواسع جداً بهذا النجاح جعلته يشعر بالغربة وبدأ يهتم بالسياسة أكثر فأكثر، وبعد ذلك نشر مقالة استهلالية هي «التجنب - التعرف» نشرت للمرة الأولى في الأعداد الأولى من مجلة الأستاذ «أدونيس» وقد تحدث فيها عن القصور المتعدد الوجوه الذي ألحق الهزيمة بالجيوش العربية، وأول هذه الأمور ما دعاه الوجود المائع أو الهيولي للشعب العربي أو أوهام العرب عن أنفسهم، فهم يعتقدون أن هناك أمة عربية مع أنه لا توجد أمة عربية، لم يكن يتكلم بالمعنى القدحي، وإنما بالمعنى المعرفي الدقيق، فكانت هذه المقالة مدخل سعيد إلى ممارسة الثقافة كنقد وكمواجهة ثم تحولت لاحقاً إلى اشتباك.‏‏

انطلاقاً من قاعدة النقد والنقد الشديد الذي حرص سعيد على ممارسته حتى أيامه الأخيرة وصل إلى كتابه الشهير «الاستشراق» ويمكن أن نرى معنى النقد في هذا الكتاب باتجاهين، الاتجاه الأول هو أن الاستشراق كان يعني لدى المستشرقين أن الشرق مهنة، وعلى المستشرق الذي يعمل في هذه المهنة أن يخترع الشرق من أجل تسويق وتبرير الاستعمالات السلطوية القائمة في الغرب، وبهذا المعنى تضمن الاستشراق بعدين، فالأول تزوير المعرفة، والآخر تقديم هذه المعرفة المزورة إلى المراجع السلطوية لاستعمالها للهجوم على هذا البلد أو ذاك.. بعد ذلك نشر كتاباً بالاشتراك مع تشومسكي بعنوان «لوم الضحايا» فضح فيه مدى النفوذ الصهيوني في أميركا، وعن السيطرة الشبه مطلقة للقوى الصهيونية على عالم الصحافة ودور النشر والجامعات ما يحول الدفاع عن القضية الفلسطينية في دق باب الولايات المتحدة، هي عملية استشهادية تقريباً، بيد أن النقد الأكثر عمقاً في معنى الثقافة الأكاديمية والاستشراقية والسلطوية ما كتبه سعيد في دراسة شهيرة وعنوانها «معارضون - دوائر - جماعات» في عام 1973، ومن ثم درست في كتاب بعنوان «ثقافة ما بعد الحداثة» حيث أكد في هذه الدراسة على أن العمل الأكاديمي في الجامعات الأميركية، وخاصة في عهد ريغان، هو عمل يشبه عمل رجال الدين في العصور الوسطى، ويندرج في قاعات مغلقة ومنعزل كلياً عن مشكلات الحياة، ومنعزل كلياً عن الأحلام الإنسانية، وهو عمل اختصاصي إلى درجة التجريد، وبهذا المعنى لا تصبح الثقافة فقط أداة في خدمة السلطة ولكن أداة في تأسيس سلطة الإذعان، وفي تأكيد مفهوم النخبة.‏‏

النقطة التي تثير الإعجاب في ممارسة سعيد ليس فقط هذه الممارسة النقدية المستمرة المجتهدة لمفهوم المثقف بالمعنى المعرفي والأخلاقي، ولكن قدرته المدهشة على تعيين مراجعه، وعلى استعمالها جميعاً بدون تناقضات، بهذا المعنى إذا رجعنا إلى المراجع الثقافية التي استفاد منها سعيد ابتداء من نقد الانغلاق الأكاديمي وصولاً إلى فرانس فانون، سوف نجد أمامنا مجموعة من الصور للمثقف، فهناك المثقف الدنيوي الذي أخذه من فيكو، والمقاوم والمدافع عن مشروع والذي أخذه عن غرانشي، ومثقف الجنوب والالتصاق بقضايا المضطهدين الذي أخذه من فانون، ثم أضاف إليه تعبيراً جميلاً هو المثقف الهاوي للرد على فكرة المثقف الاحترافي، الذي يغرق نفسه كلية في اختصاص معين بعيداً عن مشكلات الحياة والناس، وأما الهاوي فهو الذي يبقى على حدود المعرفة، وقد قدم سعيد فكرة الهاوي للمنظور حتى لا يستغرق المثقف كلياً في قضية مغلقة وينسى قضايا الحياة، لأنه كان ينطلق من أولوية الحياة على أسئلة الثقافة، ومن أولوية الواقع على أسئلة الكتابة، وبالتالي وصل إلى مفهوم المثقف الهاوي، ولابد من الإشارة إلى أن ادوارد في نهايات حياته وصل إلى فكرة «المثقف الرسول» بمعنى أن المثقفين فئة ممتازة تقترب من الندرة، وهم بشر لهم من الصفات ما يجعلهم أنبياء أو يقربهم من الأنبياء، وفقاً لما قاله ادوارد سعيد في جمل مبعثرة في كتابه «صور المثقف»، ونقول نجد في ادوارد سعيد مجموعة شخصيات متداخلة مندمجة، وربما يكون هذا التعدد في وجوهه هو من أكثر وجوهه ألقاً وجمالاً.‏‏

فلسطين في فكر سعيد‏‏

تحدث الدكتور سماح ادريس (لبنان)، ورئيس تحرير مجلة الآداب وتلميذ وصديق ادوارد سعيد عن مسألة فلسطين من خلال فكر سعيد فقال: لا مبالغة في القول: إن فلسطين تقع في مركز القلب من عمل سعيد بعد هزيمة عام 1967، فقد تركز عمله فيما يخص مسألة فلسطين على مخاطبة الجمهور الغربي من أجل توظيف صورة الظلم الغربي أو الظلم الصهيوني وارتباطه بالثقافة الغربية في تيارها السائد، وتعريف الغربيين بآمال السكان الفلسطينيين الأصليين وتاريخهم وثقافتهم، فعلى قارئ أعماله الفلسطينية أن يقرأها وعينه على ذينك العملين المركزيين، أي «الاستشراق» و«الثقافة والامبريالية» اللذين يعتبران بحق من أعمق أعماله الفكرية في القرن العشرين، ولكنه قبيل توقيع اتفاقية أوسلو في صيف 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل يمم شطر الجمهور العربي فتدفقت مقالاته بين عام 1995 وحتى نهاية شهر أيلول 2003، فقد تجاوزت 220 مقالاً في جريدة الحياة، ناهيك عن المحاضرات التي ألقاها في الجامعة الأميركية في بيروت والقاهرة.‏‏

تطورت نظرة سعيد إلى شكل الدولة التي بنبغي بناؤها على أنقاض الاحتلال والتهجير والعنصرية، فكان سعيد مناصراً للدولة العلمانية على كامل فلسطين التاريخية، وفي أواسط السبعينيات صار منافحاً بشدة عن الحل القائم على دولتين فلسطينية وإسرائيلية.‏‏

وارتأى أن تكون لكل منهما حقوق متساوية لمواطنيها ولكن مع تفاعل يمكن من خلاله خلق وضع شبيه بالكانتونات السويسرية، ولكن بعد توقيع اتفاقية أوسلو أصبح سعيد مؤمناً بأن الحل القائم على قيام دولتين قد انتهى عملياً بسبب والكلام له «توغل الحركة الاستيطانية والحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي في الحياة الفلسطينية إلى درجة استحالة الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين» لذلك يؤكد على ضرورة إيجاد وسيلة كي يعيش الشعبان معاً متساويين في دولة واحدة، لا كأسياد وعبيد كما هو الحال الآن، وتدريجياً راح يتحدث عن فكرة المواطنة والقومية.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية