|
دراسات بعد فوز ائتلافه اليميني المتطرف بانتخابات الكنيست مستفيداً من دعم أميركي فوق العادة في الأسابيع الماضية، عاد الكيان الصهيوني لأسلوب العربدة والعدوان على السيادة السورية تحت نفس العناوين والمبررات الزائفة التي يكررها مع كل عدوان، في محاولة منه لرسم معادلات جديدة بعد أن فشل الارهاب التكفيري المدعوم أميركيا وصهيونيا وإقليمياً في رسمها على مدى ثماني سنوات من الحرب على سورية، فأغارت أمس طائراته المعتدية على أحد المواقع العسكرية في منطقة مصياف وسط البلاد، بعد أن تسللت من الخاصرة اللبنانية الرخوة والمستباحة، فتصدت لها الدفاعات الجوية السورية المتيقظة لها على الدوام وأسقطت عدداً من صواريخها، ليرفع هذا العدوان الجديد من وتيرة التصعيد السياسي الذي بدأه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي بإعلانه الوقح الاعتراف بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان العربي السوري المحتل في مخالفة سافرة للأعراف والقوانين الدولية وانتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن وتحدّ فاجر لإرادة المجتمع الدولي عامة. من الواضح هنا من حيث التوقيت أن تجديد المجتمع الإسرائيلي المتطرف للإرهابي نتنياهو يعني بصورة أو بأخرى الموافقة على السياسة العدوانية التي اتبعها خلال ترؤسه للحكومة الصهيونية في السنوات الأخيرة، لجهة دعم الإرهابيين في سورية وتقديم جرعات دعم إضافية لمن تبقى منهم في محافظة إدلب ومحيطها، والمضي قدماً في استكمال «صفقة القرن» وما يترتب عليها من ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة وتوسيع رقعة الاستيطان بما ينسجم مع المشروع التوراتي لتهويد كامل فلسطين وطرد ما تبقى من فلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، والتضييق على السلطة الفلسطينية وعلى فصائل المقاومة في قطاع غزة، لإجبار الشعب الفلسطيني على القبول بالصفقة المشبوهة التي يعمل عليها بدأب كبير صهر ترامب جاريد كوشنر بمساعدة بعض الأنظمة العربية المحمية من واشنطن، وكذلك الاستمرار في تأجيج التوتر بما يخدم المخططات الإسرائيلية الرامية لإشعال حرب أميركية جديدة في المنطقة بزعم التصدي للمخاطر المحدقة بالكيان الصهيوني نتيجة تعاظم قوة محور المقاومة خلال سنوات الحرب على سورية. لا يختلف متابعان أن المناخ المسيطر حالياً في واشنطن ـ إدارة أميركية متغطرسة وأكثر صهيونية وتطرفاً في دعمها لإسرائيل من كل الإدارات التي سبقتها ـ وكذلك المناخ العربي شديد التعقيد ـ جامعة عربية مهلهلة ومشيخات خليجية ساعية للتطبيع المجاني مع إسرائيل من دون الحد الأدنى من الحقوق العربية، ودول عربية مشغولة بمحاربة الارهاب وترتيب أوضاعها الداخلية، وأخرى تمر بظروف انتقالية صعبة ـ وكذلك مجتمع دولي عاجز رأسماله التعبير عن القلق، كل ذلك يشجع الكيان الصهيوني على المزيد من الغطرسة والعربدة وارتكاب المزيد من الحماقات العدوانية، حيث لا رادع دوليا ولا مساءلة قانونية ولا عقابا، ولكن ليس إلى درجة أن يتمكن هذا الكيان من رسم الخرائط الإقليمية وصياغة المعادلات فيها، لأن المشهد الإقليمي سريع التبدل، ولا أحد يمكن أن يضمن لإسرائيل أن تكون الظروف مواتية بشكل دائم لتحقيق طموحاتها ومشاريعها التوسعية عبر العدوان، دون أن يكون لذلك أثمان باهظة قد لا تستطيع دفعها، وقد سبق أن سنحت لإسرائيل في العام 2006 ظروف مشجعة لشن حرب على حزب الله باعتباره التهديد الأخطر والأقرب من حدودها المزعومة ولكن نتيجة الحرب النهائية كانت عكس ما كان يطمح إليه قادة الكيان بحيث خرجوا من الحياة السياسية بفضيحة مدوية، في حين رسخ حزب الله كرأس حربة محور المقاومة الممتد من طهران إلى دمشق نفسه كقوة ردع إقليمية في وجه الاحتلال الإسرائيلي يحسب له ألف حساب، ومن يتابع تحركات المسؤولين الأميركيين وجولاتهم في المنطقة ـ وآخرهم بومبيو ـ وتصريحاتهم بشأن دور حزب الله وقوته وتأثيره في المنطقة، أو يعود لقراءة سنوات استخلاص الدروس والعبر داخل الكيان الصهيوني ـ تقرير فينوغراد نموذجاً ـ بعد هزيمته في حرب تموز، سيتأكد أن الجموح الإسرائيلي نحو مغامرة جديدة في المنطقة بحجم حرب سيكون له تداعيات أخطر من تداعيات الحرب السابقة، فالنيران التي أحرقت أجزاءً من شمال كيان الاحتلال قد تمتد وتطول لتحرق ما لا يتوقعه قادة الكيان، فالظروف ـ رغم الحرب الارهابية الطويلة على سورية ـ لم تتبدل كثيراً لمصلحة إسرائيل، بل ثمة من يرى أن هذه الحرب متنت أواصر العلاقة الاستراتيجية بين إيران وسورية وحزب الله وأضافت إليهم قوة جديدة من العراق وهي المقاومة التي هزمت الأميركيين وأجبرتهم على الانسحاب، كما أضافت هذه الحرب إلى تجربة محور المقاومة الكثير من الخبرات العسكرية والقتالية التي تخشاها إسرائيل وتحسب لها ألف حساب في أي معركة قادمة. من المرجح أن يستمر الكيان الصهيوني في تطاوله وعربدته تحت نفس العناوين المزعومة مستفيداً من الظروف التي ذكرناها، ولكن من دون أن ينجرّ أو يتورط في حرب شاملة يعلم جيداً بحكم التجربة أن جبهته الداخلية أضيق وأضعف من أن تتحملها، لأن قرار الحرب أولاً وأخيراً هو بيد الأميركيين وهؤلاء لهم حساباتهم الدقيقة في المنطقة، لأن هزيمة جديدة لهم فيها سيعني انتقال النفوذ فيها إلى قوى أخرى معادية، ومن شأن ذلك أن يدق مسماراً جديداً في نعش الكيان القلق على مصيره، وسيعني ذلك صياغة معادلات جديدة ليست في مصلحته، ومن الواضح هنا أن نتنياهو يستغل وجود ترامب في البيت الأبيض للضغط من أجل إنجاز «تسوية» في سورية تراعي المصالح أو الأطماع الإسرائيلية في فلسطين وفي الجولان المحتل، ولكن هذا الأمر غير وارد على الإطلاق، وليس مسموحاً به أصلاً لا شعبياً ولا رسمياً حيث اظهرت الأيام الماضية وقوف الشعب السوري خلف قيادته وجيشه في رفض قرار ترامب والتمسك باستعادة الجولان المحتل، ولو كانت سورية ومن خلفها حلفاؤها من النوع الذي يتنازل عن حقوقه وأرضه وسيادته أو يخضع للضغوط والاملاءات الخارجية لما كان هناك حاجة لخوض معركة طويلة وكبيرة ومكلفة جداً مع المشروع الإرهابي الذي كان أداة معلنة لكلا المشروعين الصهيوني والأميركي باعترافهما ومحاولاتهما اليائسة والمستمرة لإنقاذه وإطالة عمره الافتراضي، ومن «حق» نتنياهو أن يستمر في قلقه لأن القادم ليس في مصلحة كيانه مهما طال الزمن. |
|