تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحراك الشعبي ومشاريع تفتيت المنطقة!

شؤون سياسية
السبت 10-3-2012
حسن حسن

في تصريحاته الأخيرة، أشار الكاتب محمد حسنين هيكل إلى أن هناك أكثر من مشروع خارجي يهدف لاحتواء المنطقة العربية واستبدالها بنظام جديد على حساب النظام العربي ،وأخطر هذه المشاريع مشروع قديم وجديد هذه المرة الولايات المتحدة ودورها الجديد في المنطقة .

وفي هذا السياق تلوح في الأفق ملامح مشروع سياسي جديد امتداداً لمشروع سايكس - بيكو التاريخي الذي قسم المنطقة العربية إلى دول مصطنعة ،وليس بالضرورة أن يأخذ هذا المشروع السياسي الجديد الصورة نفسها ، بل قد يكون في صورة جديدة لإعادة تقسيم المنطقة على أساس من مناطق النفوذ الجديدة، بين الدول الغربية والولايات المتحدة مع إعطاء دور أو مناطق نفوذ للدول الأخرى أو الاعتراف بدورها في المنطقة كتركيا وإيران وروسيا والصين.‏

في مقابلة تلفزيونية ، قال روبرت فيسك: « بعد الثورات العربية اعتقدت أن العرب سيطلبون الوحدة، ومافأجاني أن شيئاً من هذا لم يحدث ، حتى لو على صعيد الشعارات المرفوعة »، وأضاف الصحفي البريطاني :«نحن من صنع الحدود من صنع «سايكس - بيكو» ومن قسم الخليج العربي ويبدو أن العرب قد استكانوا لذلك رغم أن بإمكانهم تحقيق وحدة تمتد من المحيط الأطلسي إلى الحدود العراقية - الإيرانية». تساؤلات فيسك هذه قد تبدو مبكرة ،وإن تكن مقلقة فالجماهير العربية التي تحركت ، هنا وهناك وضعت على أول سلم أولوياتها المطالب الداخلية وربما المعيشية : حقوق الإنسان ، توزيع الثروة ، مكافحة الفساد والعبور إلى الحياة السياسية الديمقراطية.‏

وإذا كان هذا الانغماس في الهمّ الداخلي يبدو طبيعياً بالنسبة لمواطنين عانوا طويلاً من القمع والحرمان والمصادرة والافقار ، إن لم يكن من التخلف في عدد من الشرائح والمناطق ، فإن البعد القومي والإقليمي والدولي ليس خارجاً عن هذا الحراك الذي من شأنه أن يحدد مستقبل المنطقة والعالم وبصرف النظر عن الجدل القائم عما إذا كانت الفورات العربية المحلية عفوية أم مبرمجة ، وعن واقع الاختراقات الكثيرة التي تتعرض لها ، فإنها وباستثناء الوضع الليبي ، تعيش مخاضاً سياسياً حاداً، هو ما سيرسم ملامح المرحلة المقبلة ،في كل من الدول المعنية ومن ثم الوطن العربي كله ، سواء على مستوى الأحزاب التي تتشكل ، أو على مستوى الانتخابات المقبلة .‏

ومن الواضح أن مسألة السيادة ، هي المعيار الأول الذي يؤمن المصالح الوطنية ويمنع تدميرها لتحقيق مصلحة خارجية كما حصل في العراق ، أو القضاءعليها وجودياً، كما حصل في فلسطين ، فشكل الحكم ، أو تركيبته أو أشخاصه تظل مسألة ثانوية ، قابلة للتغيير والتداول ، أما جوهر المصالح العليا للشعب والدولة فهي الثابت الذي لا يمكن المساس به ، وإذا كان هناك من صراع مشروع داخل الدولة ، أي دولة ، فهو صراع على الوسيلة الأفضل لتحقيق مصلحة المواطن (داخلياً) والدولة (خارجياً) وهما أمران غير قابلين للتناقض، أما الصراع على منطق قومي لا يحقق حقوق الفرد ومصالحه ،أو منطق آخر يفصل مطالب الأفراد أو الجماعات عن سيادة دولتهم واستقلالها ومصلحتها ، فهو صراع مرضي مدمر لكلا الطرفين ، صراع يتناقض فيه كل من المنطقين من داخله ويدمر نفسه وطرفيه معاً.‏

وإذا كنا ممن يؤمنون بأن الخط القومي هو وحده القادر على تحقيق مصلحة الوطن العربي ، المحتل في نصف أجزائه والمصادر في أكثرها ، لأنه الوحيد المعني بمصلحة الوطن دون سواها، بعيداً عن ثلاث عولمات عشناها ونعيشها: الشيوعية ، الليبرالية الأميركية ، الإسلامية ، فإن ذلك يشترط حتماً شرطين أساسيين : الأول هو القبول بكل الرؤى التي تختلف في الوسائل وتلتزم بالعنوان. أما الشرط الثاني فهو مراجعة داخلية عميقة في صميم التيار القومي تقر بأن الحريات على اختلافها وحقوق الإنسان وقبول التعددية ودولة القانون هي ما يشكل ضمانةنجاح الفكر القومي والدولة القطرية والقومية ومصالح البلاد والناس ، إذا ما آمنا بأن النجاح هو أولاً في صميم الشعب ومن ثم في أن تواجه به ومعه الخارج ، حليفاً كان أم خصماً أم عدواً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية