تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حوادث السير: نزيف يومي لايتوقف

تقارير
السبت 10-3-2012
تحقيق: محمد عكروش

تعتبر حوادث الطرق سمة من سمات العصر السلبية الذي يشهد تطوراً سريعاً في كل المجالات ولاسيما في صناعة السيارات التي يقبل الناس على اقتنائها بلهف وشغف منقطع النظير دون الاكتراث بالآثار السلبية الناجمة عن سوء الاستخدام وعدم التقيد بأنظمة المرور ماجعلنا نصادف ضحايا حوادث السير بشكل يومي حيث يقدر عددهم بالآلاف سنوياً.

وقد أصبحت هذه الحوادث معضلة عند معظم الدول ولاسيما النامية منها حتى فقدنا السيطرة عليها وباتت جزءاً سيئاً ونذير شؤم وأصبحت تستنزف طاقاتنا البشرية والاقتصادية وتخلف وراءها الإعاقة والعجز أو القتل وآثاراً صحية واجتماعية بعيدة المدى ولاسيما عند الأطفال واليافعين والشباب.‏‏

29300 حادث مروري‏‏

مدير إدارة المرور اللواء محمد يونس عمار قال إن اجمالي عدد الحوادث في عام 2010 وصل إلى 31492 ألف حادث أي بنسبة 1521،9 حادثا لكل 100 ألف مركبة بينما وصل اجمالي عدد الحوادث عام 2011 إلى حوالي 29،300 حادثاً أي بنسبة 1324،2 لكل 100 ألف مركبة مايعني أن نسبة انخفاض اجمالي عدد الحوادث هي ١٩6،87 ألف حادث بين عامي 2010 و2011.‏‏

وفيما يتعلق بأعداد الجرحى فإن عدد جرحى الحوادث في عام 2010 وصل إلى 15236 ألفاً بنسبة 735،9 لكل 100 ألف مركبة ومقارنة بعام 2011 فقد وصل عدد الجرحى إلى 12839 ألف جريح بنسبة 580،38 لكل ألف مركبة أي انخفضت بنسبة 155،53 عن عام 2010.‏‏

أما فيما يخص الوفيات فقد بلغ عددها عام 2010 (2118) أي بنسبة 102،30 لكل 100 ألف مركبة أما عدد الوفيات في عام 2011 فوصل إلى 1797 بنسبة 81،23 لكل 100 ألف مركبة.‏‏

أي انخفض عدد الوفيات بمقدار 21،7 لكل 100 ألف مركبة بين عامي 2010 و2011 وهذا مايعني أن نجاحاً ينسب لما حققته وزارة الداخلية فيما يخص السلامة المرورية.‏‏

نسبة الانخفاض‏‏

الدكتور والباحث ستالين كغدو رئيس الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق قال: أن عدد الحوادث انخفض عن عام 2010 بمقدار 2118 أي بنسبة 6،72٪ بينما عدد الجرحى انخفض عن نفس العام بمقدار 2399 أي بنسبة 15،74٪ وعدد الوفيات انخفض بمقدار 321 أي بنسبة 15،17٪.‏‏

وبالمقارنة مابين عامي 2007 و2011 كان عدد الوفيات عام 2007 بلغت 2818 وفي عام 2011 بلغت 1797 أي حصل انخفاض بمقدار 1021 أي بنسبة 36،2٪.‏‏

وعدد الحوادث عام 2007 كان 28،599 وفي عام 2011 هو 29294 أي زاد بمقدار 695 حادثاً بنسبة 2،4٪.‏‏

عدد الجرحى عام 2007 كان 15134 وفي عام 2011 كان 12839 أي انخفض بمقدار 2295 بنسبة 15٪.‏‏

علماً أنه وصل في عام 2010 عدد المركبات إلى 2،051 مليون أما في العام 2011 فوصل إلى أكثر من 2،2 مليون مركبة لغاية 30/6/2011.‏‏

خسارة 2-7٪ من الدخل القومي‏‏

وأضاف د. كغدو أن حوادث المرور من الأسباب الرئيسية لوفيات الأطفال والشباب من الفئة العمرية 5-29 عاماً ونصف العام وأن أكثر من 90٪ منها تقع في البلدان النامية في حين تشير الدراسات إلى أن معدلات الوفيات تميل إلى الانخفاض في الدول المرتفعة خلال الأعوام الأخيرة وعلى العكس تشير إلى ارتفاعها في الدول المنخفضة والمتوسطة والمنخفضة الدخل حيث ستبلغ بحلول العام 2030 إلى 2،4 مليون حالة وفاة ، وتقدر الكلفة السنوية الناجمة عن حوادث الطرق في البلدان المتوسطة بين 2-7٪ من الدخل القومي الإجمالي التي لاتملك أكثر من 48٪ من السيارات المسجلة في العالم ، وتشكل إصابة راكبي الدراجات والمشاة 46٪ من ضحايا حوادث الطرق.‏‏

هذا يقودنا إلى أن حوادث السير ليست وليدة الصدفة وليست قدراً محتوماً علينا، إنما هي نتيجة أخطائنا وعدم التزامنا بقواعد السير وأصول القيادة الدفاعية الآمنة.‏‏

8 وفيات يومياً‏‏

ولفت د. كغدو إلى أن حوادث السير حرب مستمرة تحصد 8 وفيات يومياً في سورية مما يتطلب تضافر وتعاون الجميع لمعالجة هذه المشكلة من خلال الندوات المرورية لتسليط الضوء على أسباب المشكلة والتحاور مع الجهات المعنية لوضع الحلول لها.‏‏

وأشار إلى أهمية التزام السائق بقوانين السير لحماية نفسه بالدرجة الأولى ولحماية الآخرين لأن حياة الإنسان وروحه وأطفاله لايقدرون بثمن، وهذا يتطلب الوعي الحقيقي لنتائج مخالفة قوانين السير ومايترتب عليها من أذيات.‏‏

وأضاف أن الهدف الرئيسي للجمعية هو رفع سوية الوعي المروري لدى المواطن وغرس ثقافة مرورية للتخفيف من حوادث السير وماينجم عنها من إصابات ووفيات خاصة لدى الأطفال لأننا عندما نعلمهم الالتزام بقواعد المرور ووضع حزام الأمان ننشئ جيلاً واعياً ملتزماً بأنظمة وقوانين السير.‏‏

نفقات طبية‏‏

وحسب مصادر ومنشورات طبية حديثة تشكل حوادث الطرق مابين 20-30٪ من أسرة المشافي العامة وهي الأكثر كلفة من بين جميع الحوادث لأنها تكون عديدة عادة وتتصف بالخطورة العالية وخاصة عند وجود أذية في الجمجمة ونزيف داخلي وبطول مدة إقامة المصاب في المشفى وكثرة الاختلاطات ونسب الوفيات العالية وهذا مؤشر على أن عدد ضحايا حوادث الطرق تفوق ضحايا الحرب والكوارث لأنها نزيف يومي لايتوقف.‏‏

بعد اقتصادي‏‏

أصبحت تلك الحوادث تمثل إحدى المشكلات ذات الجانب الاقتصادي والاجتماعي، لمايترتب عليها من خسائر فادحة واستنزاف في الأفراد والأموال والممتلكات ، وكذلك زيادة معدل الإصابات والتلفيات والوفيات نتيجة تلك الحوادث .‏‏

وفي الوقت ذاته فإن ذلك يشكل عبئاً كبيراً على شركات التأمين التي تتحمل تكاليف ضخمة جراء تلك الحوادث نتيجة التعويضات والإصلاحات التي تدفعها للمتضررين جراء تلك الحوادث.‏‏

إذ تقدر الخسائر في الوطن العربي سنوياً بنحو 25 مليار دولار وفي العالم 518 مليار دولار وحصة الدول المتوسطة والمنخفضة الدخل 65 مليار دولار بسبب افتقارها لسياسات الوقاية والعلاج لحوادث الطرق والمؤسف أن النسبة الكبيرة من ضحايا الطرق هي الفئة المنتجة والتي يعول عليها في عملية النمو وهي فئة اليافعين والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 11-49 سنة.‏‏

وللتخفيف من الكلف الاقتصادية لفت د. كغدو إلى رفع مستوى الوعي المروري من خلال حملات واسعة ومستمرة ومبرمجة بدقة ثم العناية بالسيارات من الناحية الفنية وتوافر الجاهزية في كل الأوقات لكون المركبة هي العامل الثاني المسبب للحوادث، ثم العناية بالطرق كمسبب ثالث بتوفير البنى التحتية بما يتوافق مع حركة المرور وكثافتها وخاصة في البقع السوداء التي يكثر فيها الحوادث ولايجب أن ننسى تأهيل السائقين بشكل جيد فنياً وسلوكياً وهذا يتطلب رصد كل الإمكانيات.‏‏

إصابات جسدية‏‏

وعما تسببه حوادث المرور من أذيات وآثار تتركه على الجانب الاجتماعي والنفسي قال الدكتور النفسي محمد كمال الشريف :‏‏

تصيب بشكل خاص فئة الشباب التي تشكل 6٪ من الإصابات وبالتالي تعرضها للحوادث المرورية وماينجم عنها تعطل عن العمل والإنتاج ماينعكس على الحالة النفسية للمصاب وأسرته التي يعولها ، ناهيك عن الإصابة الجسدية التي تجعل الشخص المصاب بحالة عزلة عن المجتمع وهذا يولد عنده سلوكاً عدائياً بسبب شعوره بالعجز والحرمان من ممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي لأنه أصبح عاجزاً ويحتاج للمساعدة.‏‏

أما على صعيد الأذية من الجانب النفسي تابع د. الشريف: فهي تختلف في شدتها وزمن حصولها واستدامتها وهي متعددة الأشكال وكثيرة فتحصل لديهم صدمة تسمى صدمة مابعد الحادث مايشعرهم بحالة من التوتر والضيق وخاصة إذا كان هذا الشخص يعتبر نفسه مسؤولاً عن وقوع الحادث بسبب قلة الانتباه أو الاستهتار، وأما تأثيرها على الأطفال فلها مظاهر كثيرة قد تسبب حالة اكتئابية وعزلة وحالة انسحاب والخوف من ركوب السيارات.‏‏

وهناك الكثير من الحالات لأطفال تعرضوا لحوادث(ريم،ع) طالبة في الصف السابع تعرضت لعدة حوادث مرورية، ومنذ ذلك الوقت بدت تلازمها مظاهر نفسية حتى الآن تتمثل بكرهها للخروج من المنزل وتجنب ركوب السيارات وخاصة إذا كانت الوجهة نحو المكان الذي حصلت فيه الحادثة المرورية وينتابها الشعور بالقلق والخوف، وتبين فيما بعد أن أهلها وأصدقاءها كان لهم الفضل في مساعدتها على تخطي آثار هذه العقدة من خلال ملازمتها اتباع كل الأساليب التي تذهب عنها الخوف والتوتر.‏‏

أما الطفلة (هيفاء،ع) طالبة في الصف التاسع فقد تعرضت لحادثتين مروريتين فقدت بعدها ثقتها بنفسها والآخرين وأصبحت تخاف من الشارع أو ركوب السيارات وأصبحت تصاب بالشرود الذهني أثناء الدروس وهذا ماأفادت به معلمتها مايسبب لها تراجعاً في مستواها بسبب عدم التركيز.‏‏

وتعرض الطالب(وليد،ح) لحادثة تدهور سيارة سببت له الداء السكري الشبابي المبكر عندما كان في سن الخامسة، فأصبحت صورها المتلاحقة بالنسبة له كابوساً يلازمه أينما ذهب وعند النوم على نحو خاص مايجعله يستيقظ مذعوراً، وهذا كان مصدر قلق للأهل وخوف على مستقبله الدراسي والصحي.‏‏

بينما(غادة، م) طالبة في الصف العاشر فقد تعرضت لحادثة سير فأصيبت بجروح شديدة ونجت منها بأعجوبة وتوفي والدها على أثر ذلك ورغم مرور عدة سنوات على محنتها لاتزال تتذكر الحادثة وصورتها المتلازمة، ولاسيما عندما تخلو بنفسها، ماسبب لها القلق والاكتئاب والعزل عن المجتمع.‏‏

(سالم،ك) شاب تعرض لحادث اصطدام عندما كان يقود سيارته الخاصة على طريق حمص-دمشق حيث صدمه من الخلف باص كان يسير بسرعة كبيرة وكاد أن يسبب له أذية شديدة (لولا لطف الله) . ومنذ ذلك الوقت لم يعد يسافر بسيارته الخاصة وأصبح يفضل ركوب الحافلات لكي يحمي نفسه ويتجنب الحادث.‏‏

وقد انعكس ذلك على عائلته أيضاً حيث حرمها من ركوب سيارته الخاصة على طريق السفر خوفاً عليهم وبسبب انعدام الثقة بأصحاب الباصات التي لا ترعى شروط السلامة وحماية الركاب من الأذية وأصبح بالنسبة له مصدر قلق وخوف دائمين.‏‏

مؤشر خطير‏‏

يأتي العالم العربي في المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد حوادث الطرق التي تسفر عن إصابات أو حالات وفاة، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التي تقدر بـ 25 مليار دولار سنوياً.‏‏

ويعزو خبراء كثرة هذه الحوادث في العالم العربي الى غياب العدد الكافي من الطرق الواسعة والمؤهلة، فضلاً عن استخدام آليات وقطع غيار مقلدة.‏‏

وأكدت المنظمة العربية للسلامة المرورية أن 36 ألف قتيل و400 ألف مصاب هي حصيلة الحوادث في العالم العربي سنوياً، إضافة إلى خسائر مادية جسيمة. وأشارت إلى أن النشرات الإحصائية تفيد بأن أكثر من نصف مليون حادث يسجل كل عام في العالم العربي، الذي يفقد بمعدل مواطن واحد كل 15 دقيقة بسبب حوادث الطرق.‏‏

5475 ألف حالة عجز دائم‏‏

أشارت منظمة الصحة العالمية إلى حوادث الطرق تحتل المرتبة التاسعة في سلم الأمراض المسببة للوفاة، وسوف تصبح في المرتبة الثالثة بحلول العام 2020 بعد مرض الاكتئاب الكبير الأحادي القطب وأمراض القلب والسرطانات.‏‏

وهذا مؤشر خطير يضع صناع القرار أمام تحد كبير لاسيما في الدول المنخفضة ومتوسطة الدخل، وتقدر الوفيات بـ28،3 لكل 100 ألف نسمة في إفريقيا و26،3 لكل 100 ألف في الشرق المتوسط، وفي الدول المرتفعة الدخل 12،6 لكل 100 ألف وأقل نسبة في بريطانيا 5،4.‏‏

وتقدر الكلف المالية في العالم بنحو 518 ملياراً سنوياً وعدد الوفيات 1،3 مليون سنوياً وعدد الجرحى 50 مليوناً، وفي كل يوم يصاب 140،000 شخص يموت منهم 3،000 شخص و15،000 يصاب بعجز دائم، وفي العالم لدينا 5475 حالة عجز دائم.‏‏

هذا وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2010 عن أول عقد للعمل من أجل السلامة على الطريق بغرض وضع حد للزيادة المسجلة في عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث المرور في جميع أرجاء العالم وهذا يساعد منظمة الصحة العالمية لمواجهة ثالث أسباب الوفيات الرئيسية عام 2020.‏‏

قاتل طليق‏‏

وتبقى حوادث الطرق قاتلاً حراً وطليقاً يترصد الناس على جميع الطرقات ويحصد يومياً العشرات من الأرواح، لا يميز ما بين طفل بريء وامرأة حامل وعاجز واهن أو شاب يعول أسرة فقيرة، ويترك خلفه المئات من العاهات والإعاقات دون شفقة أو رحمة، هذا القاتل هو الإنسان بعينه فهو المسبب لها وهو الضحية والمتضرر منها.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية