|
استراحة وقد أنشأ الرومان شارعا طويلا عام 64 ميلادي وأطلقوا عليه اسم (الطريق المستقيم )،وكان يحفل بأقواس النصر والأعمدة والتماثيل، وكان طوله 1500 متر وعرضه آنذاك يتراوح بين 20 مترا في بعض أقسامه،و 25 مترا في أقسام أخرى ،وكان على جانبيه أعمدة كورنيشية ضخمة، وكان يتوسّط الشارع عمود عليه تمثال رجل باسط ذراعيه، وآخر على رأسه مثل كرة الحديد. وكان يقطع هذا الشارع شارع آخر عرضي يمتدّ من الشمال إلى الجنوب وعند نقطة التقاطع قوس رباعيّة تمّ الكشف عنها في منتصف القرن العشرين (عند محلّة طالع الفضّة)، وكانت على عمق أربعة أمتار ونصف من سطح الأرض الحاليّة. وتحدث ابن عساكر عن قوس روماني ودعاه قنطرة سنان، وورد في مصادر تاريخيّة وجود أقواس أخرى إلى الغرب من هذه القوس، تهدّمت في القرن الثامن الهجري، واستخدمت أحجارها في بناء بعض القصور والبيوت حسب المؤرّخ ابن كثير. وفي عهد المماليك أطلق على القسم الغربي من الشارع سوق جقمق, نسبة إلى سيف الدين جقمق نائب دمشق الدودار في سنة 821 هجرية . وفي العهد العثماني قام الوالي مدحت باشا بتوسيع الشارع على حساب الدور السكنية سنة 1878 وحمل منذ ذلك الوقت اسم مدحت باشا . وجدد الشارع في عام 1890 في عهد رؤوف باشا وتمت تغطيته بالحديد والتوتياء في عهد آخر الولاة حسين ناظم باشا حماية له من الحرائق بعد أن كان مسقوفا بالخشب. ويقسم الشارع إلى قسمين الأول يمتد من باب الجابية غرباً وحتى قوس النصر، وهو المقصود باسم السوق الطويل شعبيا ، وهو مغطى في غالبيته بسقف معدني ، أما الثاني فيمتد من قوس النصر وحتى باب شرقي ،وبعد أعمال التجديد والتجميل التي قامت بها محافظة دمشق وضعت لوحة قرب باب شرقي باسم (الشارع المستقيم). وهو طريق مهم من النواحي الأثرية والتاريخية والروحية، وتنبع أهميته من كونه جزءاً من الطريق الذي سلكه بولس الرسول حيث وصل كنيسة حنانيا, ومنها انتقل إلى كنيسة باب كيسان, وانطلق من الأخيرة ناشراً المسيحية في أوروبا،كما يضم الشارع المستقيم معظم الكنائس المسيحية القديمة التي يتخذ منها البطاركة مقراً لهم. ومن يتعمق في البحث سيكتشف أن الشارع القائم حاليا ليس هو الشارع المستقيم ،ولكن هناك أجزاء من شارع مدحت باشا ولاسيما الممتدة من القوس الروماني إلى باب شرقي هي جزء من الطريق القديم ،أما الأجزاء الأخرى فقد اختفت ضمن الأسواق وأصابها القدم بفعل كوارث طبيعية أو أعمال تنظيمية جرت في العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية. فالطريق المستقيم القديم ـ حسب أدبيات الباحثين وأقوال المؤرخين ـ كان يمتد من باب الجابية إلى باب شرقي ،في حين نرى أن باب الجابية يختفي بين الأسواق القديمة ،كما أن المصورين في القرن التاسع عشر التقطوا صورا للشارع المستقيم قبل أن يجدد في عهد مدحت باشا ومنها صورة بكاميرا أنونيم فرانسيس. وقد انخفض الشارع المستقيم بسبب زلازل ضرب المنطقة عن مستوى الشارع الظاهر حالياً، وهو يقع تحته بعمق يتراوح بين خمسة وعشرة أمتار. وتأكد هذا عندما جرى تجديد الشارع وإقامة بنى تحتية جديدة في عام 2007 ،فخلال الحفريات تم اكتشاف العديد من الآثار القديمة ، وتم اكتشاف أساسات الشارع المستقيم القديم، إضافة إلى كشف أساسات وقواعد سور المدينة القديمة. والشيء بالشيء يذكر نشير إلى زيارة الكاتب مارك توين مدينة دمشق في عام 1869 ومشى في الشارع المستقيم, وقال عنه بأسلوبه الفكاهي:(الشارع المستقيم ليس بالمستقيم , انه أكثر استواء من نازعة الفلين ولكنه أكثر انحناء من قوس قزح). |
|