تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لماذا يجذبهم.. ؟!

رؤيــة
السبت 10-3-2012
أديب مخزوم

لم تعد القنوات الفضائية هي المتهمة الوحيدة في اختفاء العديد من العادات الاجتماعية المحببة، بعد ان فرضت التكنولوجيا الرقمية الحديثة على الانسان المعاصر نوعا من العزلة الخانقة والترهل والانطواء على الذات، وحولت مكعبات الغرف العصرية الاسمنتية، الى مايشبه الزنزانات الانفرادية، التي يجلس بداخلها المتلقي، ساعات طويلة أمام شاشة الفيسبوك، مستعيضاً عن الحوارات الصوتية الحية، بالمراسلات الكتابية الصامتة.

ومن خلال متابعة عالم الفيسبوك يكتشف المتابع أن نسبة كبيرة من رواده هم من طلاب وطالبات الثانوية، ومعظم هؤلاء يتواصلون به عبر الهاتف النقال «الموبايل» الأكثر استخداما وشيوعا في حياتنا المعاصرة، والقسم الاكبر منهم يجد صعوبة كبرى وبالغة، في اغلاق صفحة الفيسبوك، ولايتحمل أن تغيب عن عينيه لحظة واحدة، ولذلك فهو يضع نفسه على امتداد ساعات النهار والليل، ضمن شبكة من العلاقات الافتراضية مع شبان وشابات موزعين في القارات الخمس، يصعب عليه التخلص منهم.‏

إلا ان الاكثر مأساوية وفجائعية في عالم الفيسبوك يكمن في ان معظم هؤلاء يضعون اشارات الاعجاب «اللايكات» معتمدين على مبدأ (ضع لي وانا اضع لك) ودون اعطاء ادنى اهمية للقيمة الفنية والادبية وللمعايير الانسانية والاخلاقية، بحيث يصبح كل ماينشره صديق أو صديقة، داخلا في احتمالات الروعة والادهاش والاعجاب، حتى وان كان مقززا ومقرفا.‏

هكذا تتلاحق اشارات الاعجاب wow على شاشة الفيسبوك بسرعة البرق او الشهاب، لكل ماهو تافه وسخيف وقذر، في الوقت الذي لانكاد نعثر فيه على عبارة اعجاب واحدة، لمساهمة شكسبيرية أو انشتاينية أو بيتهوفنية او بيكاسوية أو سارترية وسواهم، بحيث يصبح عالم التفاهة الهائل هو المقياس والمعيار الوحيد، لما ينشر على شاشات الفيس بوك. حتى ان اشارات الاعجاب المتلاحقة بلا توقف أو انقطاع، تستصغر وتعمل على تتفيه وتهميش كل ما صاغه المتنبي وشكسبير وغوتة ودانتي ورامبو وبودلير وفيكتور هيجو وأندريه مالرو، وكل العباقرة الافذاذ في كل الاختصاصات، على مر كل العصور القديمة والحديثة، وسرعان ماتكتشف ان لاشيء له قيمة على الاطلاق في عالم الفيسبوك.‏

وتزداد حدة المفارقات حين نعلم ان في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وروسيا، اكثر من ألف مليون إنسان، واذا قلنا: إن هذا العدد من الناس يتجدد مرة واحدة كل نصف قرن، يكون عدد الاوروبيين ألفي مليون إنسان في القرن الواحد، وإذا عدنا وحسبنا عدد المبدعين الحقيقيين في القرون الثلاثين الاخيرة، أي من عهد هوميروس أبي الشعراء، وفيدياس أبي النحاتين، واورفيوس أحد أباء الموسيقيين، وسوفوكلس ابي المسرح، واجرينا مقارنة مع ما انتجته فقط الكراسات الرقمية لطلاب «الهاي سكول» المنشورة على صفحات الفيسبوك في أيامنا الراهنة، فإننا سنصل إلى حالة شبيهة، برحلة رجب في بلاد العجب، بحيث أصبح عدد الموهوبين والعباقرة عندنا، في الشعر والرسم والفنون والآداب المختلفة، هو عدد جميع الفتيان والفتيات بلا استثناء.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية