|
الافتتـاحية ورغم التعاكس إلى حد التضاد في النظرة إلى المهمة، تبقى المسألة معلقة إلى حد كبير على مقدرة الدبلوماسي الأممي المخضرم في التمسك بواقعيته السياسية!! فقد سبق وصوله تصريحات ومواقف تجمع تقاطعات من تلك التمنيات, فيما بعضها الاخر يحمل رغبات بالجدية وصدق الإرادة، وإن بدا موقفه الشخصي معياراً يمكن الركون إليه لقياس ردود الفعل اللاحقة التي ليس من الصعب التكهن بها!! اللافت في المسألة، أن مهمة المبعوث الدولي التي بدأت جهات غربية ضاغطة بتدوير الزوايا لتكون متوافقة مع أمنياتها ورغباتها تأخذ طابعاً متدحرجاً في المسارات التي تقود إليها حين تحدث عن الواقعية السياسية المطلوبة، رغم أن ما أردفه من إضافات قد لا تدعم هذا التوجه وربما لا تؤكده، بعد أن بدت المقاربات الأولية لبعض المحرجين صامتة حيالها!! في المجمل، ندرك جميعاً أن لعبة تدوير الزوايا لم تعد حكراً على طرف أو قوة، بل هي تشمل مجمل المواقف الغربية التي تتعاطى السياسة، فيما توارب مشيخات الخليج في موقفها وهي التي لم تنطلق أصلاً من رؤية سياسية، بقدر ما كانت انعكاساً لأوهام وتخيلات عززتها حالة من التورم والاستطالة في أدوارها المستجدة والمؤقتة. وحتى حين بدأت أميركا والغرب عموماً تركز على تدوير الزوايا بهذا الشكل، اتخذت تلك الأنساق السياسية الخليجية موقفاً جامداً، حتى إنه بدا منفصلاً كلياً عن السياق الذي أنتجه وخصوصاً أن الجميع يعلم إلى حد اليقين بأنها بالأساس كانت إرضاء لذلك الغرب, بشقيه الأميركي والأوروبي، بل استجابة لإملاءات فُرضت, وساقت بها قَطَر والسعودية تحديداً إلى درجة أنهما تجاوزتا ما هو مطلوب منهما. الكارثة أن ما يحكم العقل السياسي لكل من قطر والسعودية.. هو البدائية والمحدودية والسذاجة السياسية وزاد الطين بله أنه بنى افتراضاته على وهم تورم لديهما وبات احتكامهما إلى المال بديلاً من كل العوامل الأخرى، فبدا هزيلاً وناقصاً في الآن ذاته. الأدهى من ذلك أن التعاطي مع مهمة أنان محكوم بنظر السياسة الخليجية بمدى مقاربته تلك الأوهام وبالتالي من الطبيعي أن تصطدم مهمته مباشرة بتلك النظرة إلى حد المجابهة، ولم تكن تصريحاته في القاهرة إلا أحد عناوين المجابهة المسبقة، بل هي قصف تمهيدي لحلقات قادمة من المواجهة التي ستحتدم. بين الدعوة إلى تسليح الإرهابيين، وبين العمل على إطلاق الحوار السياسي يبدو الفارق اليوم أكثر اتساعاً. ويحمل السيد أنان أفكاراً تزيد من تلك المساحة الفاصلة بين الاتجاهين والموقفين، ولا يخفي من طَرَحَه للمهمة أو من دفع بالفكرة متابعته لذلك الفارق المؤهل لمزيد من الاتساع، بعد أن يطلع المبعوث الدولي على حقائق غيّبتها الصورة الافتراضية. لا أحد لم يلحظ أن مهمة أنان تكاد تغيب عن تصريحات المسؤولين الغربيين عموماً، وليس هناك من لم يتساءل عن سبب هذا التجاهل، حتى إن البعض منهم حين يتحدث عن مستقبل الأحداث لا يضع هذه المهمة ولا نتائجها أو احتمالات هذه النتائج في المعادلة التي يطرحها، فيما دول الخليج تمارس صمتاً مطبقاً حيالها ولا تكاد تذكرها، حتى إن أبواقها الإعلامية بعد تصريحاته في القاهرة تتعمد سياسة الاستبعاد القسري لتلك النتائج واحتمالاتها؟! كوفي أنان المحمّل بهذا الطيف الواسع والمتدرج من التمنيات إلى الرغبات وتقاطعها مع الواقعية السياسية التي يتحدث بها، يدرك أنه مقدم على مغامرة سياسية لا تخفي تلك الأطراف حكمها المسبق عليها، وأخطر ما يتهددها فعلياً أن تعود إلى الأدراج التي خرجت منها، كما هو حال تقرير لجنة المراقبين العرب، خصوصاً أنه لم يبدِ تجاوباً في تسويق التسليح واعترض عليه، وهي مؤشرات لا تروق لمشيخات النفط.. ولن تتردد في التصويب عليه، بل سيكون موضع قصف سياسي وإعلامي إذا ما أخرج رؤيته الواقعية إلى حيز الوجود..!! الترحيب السوري بالمهمة ينطلق من مبدئية سياسية إيجابية تجاه أي جهد جاد، رغم هواجس كثيرة تطرحها أي مبادرة، وخصوصاً في خطواتها الأولى، أو حتى يتبين الخيط الأبيض منها من الخيط الأسود والتعاون السوري معها لا يحتاج إلى تأكيد وخصوصاً إذا ما توافرت لدى حاملها الإرادة الجدية في التمسك بواقعيته السياسية. |
|