|
ثقافة لم تحظ المكتبة العربية والمحلية تحديدا بكتاب يتابع ما حل بتلك العشائر بعد وصفي زكريا .فمن المعروف ان جرأة التوغل بين العشائر في البوادي لم يكن يملكها الا رواد الافرنج ومستشرقوهم ..بذريعة الابحاث الطبوغرافية والاثرية والاجتماعية والاتنوغرافية فهم (لم يغادروا بادية من بوادينا الا اخترقوها ولا عشيرة من عشائرنا الا زاروها ولا خربة الا وردوها ولا اخبارا ولا قصائد واشعارا عن البداوة الا التقطوها وفسروها وشرحوها ربما اشهرهم موزيل التشيكوسلوفاكي الذي تجول بين البدو وهو يحمل لقب موسى الرويلي ينزل ويرحل معهم ويجوس ويبحث ويؤلف كتبا ويرسم خرائط... ومنهم البارون فون او بنهايم الالماني الذي اصدر مؤلفا ضخما قيما بالالمانية عام 1939 اما الضباط الفرنسيون الذي اهتموا بهذا الشأن -لغايات سياسية -طبعا فهم كثر منهم المقدم موللر والملازم البيربوشمان والضابط رينو حتى الرهبان لم يهابوا التوغل في البوادي ومنهم بواديبارد وهنري شارل اليسوعيان... باختصار :اقتصرت المكتبة العربية والاجنبية بشأن البدو وعلى ما ذكره الاجانب وعندما قلت مآربهم السياسية لدى العشائر لم نجد منهم اولئك المغامرين من طراز الليدي آن بلنت او الليدي ايسترستانهوب او الضابط (ت.أ لورنس ) او المس بيك... وخلال سبعين عاما مضت لم نجد كتابا يوثق للعشائر في البادية الشامية ... من هنا جاءت محاولة الكاتب تركي فرحان المصطفى بكتابه (قبائل بادية حلب وحماه) ليسد نقصا واضحا بشأن الكتب التأريخية التي توثق للعشائر المتواجدة في البادية وعلى تخومها. وهو الكتاب الثاني للكاتب حيث كان قد اصدر كتابا بعنوان (تاريخ منطقة قنسرين والمطخ بين الماضي والحاضر) وحديثا قدم للمكتبة العربية كتابه الاخير من موقعه كباحث في التاريخ العشائري فضمن كتابه صورا لوثائق هامة قام بجمعها بالتنقيب عنها بين وثائق المحكمة الشرعية بحلب في العهد العثماني ووثائق الدولة السورية وكلاهما محفوظان في متحف التاريخ بدمشق وقام بتدوين معظم فصول كتابه بعد الاتصال المباشر مع اصحاب الاختصاص والمهتمين بالدراسات التاريخية والانتروبولوجية وقام بجولات ميدانية متعددة ملتقيا خلالها امراء وشيوخا ووجهاء... وعوارف -قضاة-العرف العشائري... تقع المناطق التي كتب عنها جنوب حلب على مسافة (250) كيلو متر جنوبا و(100) كم شرقا اي من مشارق حلب الجنوبية شمالا وحتى جبل البلعاس شمالا ومن مدينة سراقب غربا الى مسكنة اعلى الفرات شرقا وهي مناطق تميزت بأهميتها الاستراتيجية من الناحية التاريخية اذ دارت على ثراها غالبية المعارك بين الامبراطورية الفارسية الساسانية والامبراطورية البيزنطية والاسلامية فالمنطقة تقع على طرق القوافل التجارية يضاف الى ذلك اعمار المنطقة الذي يعود الى ما قبل الميلاد فالآثار المتناثرة هنا وهناك من قنسرين الى ايبلا فالاندرين ثم قصر ابن وردان وآثار اسرية وغيرها من الاماكن الاثرية التي تشير بقوة الى اهمية هذه المنطقة من الناحية التاريخية..... تناول الكتاب ايضا التحولات التي طرأت على سكان واهل هذه المنطقة في الربع الاخير من القرن العشرين ومطلع الالفية الثالثة حيث احدثت التطورات السياسية والاقتصادية والعلمية انقلابات اجتماعية كان تأثيرها قويا على بنية القبيلة ...بحيث اختلفت حياة البدو عن حياة ابائهم واجدادهم ... الكتاب قسم الى خمسة ابواب لعل اكثرها تشويقا الباب الرابع الذي تحدث فيه الكاتب عن اسرة امراء الموالي الذين يعتبرون من اعرق الاسر التاريخية في الشرق العربي ايضا ابدى الكاتب ملاحظات هامة بشأن اوضاع هذا المجتمع والمشكلات التي يعانون منها واخذت الملاحظات طابعا تحذيريا لما قد تؤول اليه بعض المشكلات الاجتماعية منها مشكلة تسرب الاناث من مرحلة التعليم الاساسي ومشكلة تنمية البادية ..... ذات زمن قال الفرنسي بول هنري بوردو : (لقد كان البدو يدركون بعفويتهم المدهشة بطلان العدالة الشوهاء والقاصرة وغالبا ما يتركون امورهم للصدفة تحكمها . ولقد حلت لعبة (الاستغماية ) هذه محل القوانين الاجتماعية عندهم , فالاكثر مهارة وقوة هو الذي يبلغ هدفه وربما كان الرهان دمويا...) حتما تغير اشياء كثيرة ربما لا نكاد نتصور مدى عمقها لدى البدو الذين لم يعودوا لنصب الخيام وركوب خيولهم تحت شمس تصهر الرمال ... تحولوا الى بدو من طراز جديد...ربما نمط غير متوقع...?! |
|