|
ثقافة
ولقد تضمن المعرض مجموعة واسعة من اللوحات والمنحوتات والأعمال الاخرى, لعدد كبير من الفنانين والهواة المناضلين في سبيل الحرية والانسانية والتقدم والسلام العادل. فهذا المعرض السنوي الذي تقيمه الإدارة السياسية, يبلور مفهوم الفن المقاوم ويبرز علاقته بالثورة والحياة والمستقبل, ويرتقي باللغة الفنية التشكيلية المناضلة, ويوفر قبل أي شيء آخر الأجواء الحرة المعبرة عن مفهوم الثقافة التشكيلية بوجه عام. فالفنان التشكيلي السوري لايلزم في أعماله التي تعرض في المناسبات القومية والوطنية ومن ضمنها هذا المعرض, باسلوب معين وبمعنى آخر الفنان عندنا لايساير مظهراً بذاته, ان لجهة الاسلوب أو جهة الموضوع, بل هو ينتج ويعرض ما يشاء وبحرية تامة, وهذا ما أدى الى بروز تيارات فنية صادقة, حملت نفحات جمالية دافقة بالمشاعر المرهفة ومواقف الانتماء لتطلعات ثقافة العصر المكشوفة على الحوار المفتوح بين الحضارات. فخلافاً لاعتقاد البعض بأن اللوحات التي تعرض في مثل هذه المعارض, يجب أن تجسد دبابة أو جندياً أو طائرة حربية وغيرها من المواضيع المعبّرة عن حيوية المعركة, نريد أن نوضح أن الفنان التشكيلي يمكن أن يوجه تحية في مناسبة ذكرى حرب تشرين بلوحة تتناول على سبيل المثال مواضيع الزهور والطبيعة, وحتى بلوحة تجريدية ومتطرفة في الحداثة في أحيان كثيرة. وهذه الناحية تفسر بوضوح مدى الحرية التي وفرتها القيادة السياسية للفنان التشكيلي والذي يعرف حيوية وتنوع الرؤى الاختبارية التي برزت في المعارض التي أقيمت في المناسبات الوطنية والقومية خلال العقود الماضية, يدرك تماماً أن تلك المعارض قد وفرت حرية تامة للفنان في عرض ما يشاء من مواضيع وأساليب تعبيرية حديثة متفاعلة مع مختلف الاتجاهات التشكيلية المعاصرة كمنطلق حيوي للابتكار والوصول الى فن متميز وخاص. ونحن نعلم أن حرية التعبير هي العنصر الأكثر أهمية لانطلاقة تجارب طليعية في مجال الفن, ولا يمكن في هذا المجال البحث عن حداثة فنية صادقة إلا باطلاق الحرية التعبيرية التي تعكس تطلعات الثقافة الجديدة عبر أعمال تتسم بالجرأة والتنوع حيث تبدو معظم الأعمال الفنية الحديثة متجهة نحو ابراز العفوية التلوينية المنفتحة على اختبارات الفنون المعاصرة في خطوات البحث عن الجمالية العربية والخصوصية المحلية. وهذه الحرية كرست مظهر التحول الكبير من الصياغة التقليدية الى الصياغة الفنية الأكثر حداثة وارتباطاً بثقافة وفنون القرن العشرين. فالصفة الغالبة على هذا الفن تكمن في البحث عن حداثة مفتوحة على مختلف التيارات أو التحولات الفنية التي طرأت على مسار الفن التشكيلي المتداول والسائد والمطروح في أكثر من عاصمة فنية كبرى. هكذا عايشت الرؤى التشكيلية الطليعية المراحل السياسية المتعاقبة, حيث واكب الفن الأفكار والرؤى التصحيحية في منطلقاتها المعبرة عن الحوار الثقافي بين الشرق والغرب. ولم تكن المساحات المجردة في لوحات فنانينا التي عرضت في المناسبات الوطنية والقومية, مجرد اطار استعراضي عابر, وإنما سجلت في تجارب معظم فنانينا تجليات اللمسة اللونية المتوهجة للمجاهرة بالحلم الملون القادم من وقائع العيش في وطن آمن, والمعبر عن متعة الاسترسال بحلم الحاضر والمستقبل وتداعياته التي لا تنتهي. فالحزن الذي أطل في لوحات فنانينا (ما بعد نكسة حزيران) والخوف من المجهول لم يكسر بريق اللون والنور ومتابعة حكاية اللون والضوء المشرق الذي برز في لوحات فنانينا (في مرحلة ما بعد انتصار تشرين) وغذى منطلقات البحث عن أجواء لونية انطباعية غنية بالنور والأضواء الباهرة. هكذا يمكننا متابعة التحولات اللونية التي ظهرت في لوحات فنانينا خلال أزمنة التحولات السياسية والاجتماعية أو متابعة صياغة فنية تحكي عن أجواء التحرر أو تعبر عن صياغة جديدة للوحة تعكس أجواء الحرية التعبيرية التي غذت مظاهر التأثيرات الانطباعية والوحشية والتكعيبية والتجريدية وكل المدارس الفنية الحديثة التي ظهرت في لوحات فنانينا وزاوجت في مؤشراتها المتحررة ما بين معطيات اللمسة العفوية الغربية ومعطيات الفنون الشرقية, وبحثت عن احتواء جديد للمواد اللونية التي برزت كقوى عاطفية حولت اللوحة الى حقول تجارب وتقنيات واختبارات لونية كانت ولا تزال قابلة لطواعية التغيير والتطوير والتأكيد على مهارة اليد في التقاط وهج اللحظة الضوئية العابرة في الرسم الانطباعي أو التحول الى انطباعات التبسيط والاختصار والتجريد في مراحل الدخول بشاعرية تلقائية الى جوهر الأشكال وأعماقها. |
|