|
أبجــــد هـــوز ترى ماذا يدفع بشاب من قلب أوروبا في السادسة والثلاثين من حيويته ليترك مباهج الحياة وليزج نفسه في قلب الجحيم الذي أوقدت ناره كارهة الإنسانية وعدوة الخير وسيدة شرور البشرية وصانعة أكبر جريمة في العصر الحديث؟ ماذا يحدو بالشاب الأوروبي النشأة والمسكن، فيتوري أريغوني، لينقل مكتبه ومكان عمله إلى قلب الجحيم ليرصد جرائم المحتل الإسرائيلي على شعب أعزل متحصن بإيمانه بوطنه أمام شتات مستورد من بلاد العالم أقاموا وطناً مصطنعاً لهم في فلسطين بشرعة وحيدة هي شرعية الموت والدمار، شرعية اكتسبوها من كتبة توراتهم، هذا الكتاب الذي يحمل وثيقة مقدسة لهم لا تعرف سوى الموت والدماء المتعطش لها إلههم يهوه الذي لا ترويه سوى دماء البشر. كان فيتوري أريغوني قد وطأ أرض غزة من سفينة كسر الحصار عام 2008 وأقام مع أهل غزة كواحد منهم، يمارس حياتهم، معرضاً نفسه كل ساعة لموت قادم أو مؤجل، ومن تلك الحياة اليومية القاسية، كانت رسائله وتقاريره إلى صحيفته الـ «مانغيستو» وإلى باقي وسائل الإعلام الغربية تصف الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين، والاعتداءات الإسرائيلية اليومية، تلك الرسائل والتقارير كان أريغوني يذيلها بعبارة «حافظوا على إنسانيتكم». إذاً هو ذا ما يفسر جميع ما قام به هذا الشاب الجميل.. الإنسانية، فالإنسانية هي وطن لمن يحمل تلك السمة العالية التكوين.. فمن قتل فيتوري أريغوني؟!! هل هي الجماعة التكفيرية الفلسطينية المتشددة، أم إن القاتل هي «إسرائيل»؟.. لا فرق، فالقتلة يلتقيان عند دم إنساني واحد. كان والد أريغوني وأمه والأصدقاء يتلقون التعزية وهم يضعون الكوفية الفلسطينية، وكانت وصية أريغوني أن يوضع العلم الفلسطيني معه في التابوت، ويوم موته أقامت له غزة وبيت لحم والكثير من المدن الفلسطينية العزاء الذي يستحقه صاحب الشعار الأروع في العالم .. حافظوا على إنسانيتكم. منذ قرار تقسيم فلسطين عام 1947 تبارى زعماء العرب والسياسيون والمثقفون والمنظرون والأحزاب والنخب والشعراء في استعراض مواهبهم من أجل القضية الفلسطينية، غير أن الرجل الأوروبي الغريب، كان واحداً من القلائل الذين استطاعوا حمل القضية الفلسطينية إلى العالم.. وكان الثمن باهظاً.. فهل من شيء أغلى من الحياة. |
|